ماهية الغضب .. وكيفية ثورانه

في بعض النّصوص الدّينيّة: (إنّ الغضب جمرة من الشّيطان، توقد في قلب ابن آدم، وإنّ أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه وانتفخت أوداجه، ودخل الشّيطان فيه).. فهو من الحالات الوجدانيّة الّتي تتقد في كيان الإنسان وقلبه، كما تتّقد الجمرة، فتبعث الشّرر واللّهب فيما حولها، فيتحوّل الإنسان إلى أعصاب تلتهب بالمشاعر العنيفة، وإلى نوازع تتحرّك بجنون، وعند ذلك، تنطلق عوامل السّوء ونوازع الشرّ، لتملأ كيان الإنسان، فتحرّكه نحو غاياتها بكلّ سهولة، لأنّ النّفس تفقد مع الغضب وداعة الملاك وخيره، لتخضع لجنون الشّيطان وشرّه.. إنّها تتحوّل إلى أعصاب ثائرة بدون عقل، ومشاعر هائجة دون ردع، وهكذا يساهم الغضب في اختلال التّفكير الدّقيق المنتظم الّذي يرتكز على الصّورة الواضحة، والمعاني الدّقيقة الّتي يعمل الفكر على التّنسيق بينها، وربط بعضها ببعض، لتحويلها إلى نتائج جديدة. وكما يمنع الغضب من التّفكير الدّقيق، يمنع من قدرة العقل على مراقبة العمل والتصرّف، ويخفّف من حركته في مجال النّقد والتّمحيص، وعندما تضعف الإرادة ويتضاءل دور النّقد لدى الإنسان، يصبح الشّخص خاضعاً لحوافز عمياء ودوافع جبريّة.. ومن هنا نفهم معنى الأحاديث التي تربط بين الغضب وبين إفساد الإيمان، لأنّ الإيمان بالله يرتكز على وعي الإنسان العميق لعلاقته بالله، وارتباطه بأوامره ونواهيه، الأمر الّذي يحتاج الإنسان معه إلى أن يظلّ على اتّصال بالرّوح الهادئة والتّفكير العميق.
كيف يثور الغضب؟
في حديث الإمام جعفر الصّادق عليه السلام: (قال الحواريّون لعيسى عليه السلام: أيّ الأشياء أشدّ؟ قال: أشدّ الأشياء غضب الله، قالوا: بمَ نتّقي غضب الله؟ قال عليه السلام: بأن لا تغضبوا، قالوا: وما بدء الغضب؟ قال: الكبر والتجبّر ومحقرة النّاس). أي أن بعض أسباب الغضب في مجال العلاقات الإنسانيّة، يكمن في شخصيّة الإنسان من الدّاخل، فالإنسان الّذي يعيش الكِبر في نفسه، والتجبّر فيمن حوله، ويشعر بالاحتقار للآخرين، لا يستطيع أن يملك نفسه عندما يُثار، فهو يرى لنفسه الحقّ على النّاس في كلّ شئ، ولا يرى لهم عليه أيّ حقّ، وبذلك تبقى حياته معهم في حالة توتّر دائم، وقلق مدمّر، يُرهف جانب الإحساس الذّاتيّ لديه، حتّى تتحوّل ذاته إلى عقدة، وتتطوّر العقدة إلى جنون، يشعر معه بنفسه وكأنّه قدس الأقداس الّذي ينبغي للحياة أن تظلّ صاغرةً لديه، تسبّح لآلائه، وتقدّس رغباته. وتتبدّل نظرته إلى ما حوله ومن حوله تبعاً لذلك، فالحياة كلّها في خدمته، والآخرون مسؤولون عن راحته حتّى على حساب راحة أعصابهم، فليس لهم أن يتكلّموا معه إلا من خلال الشّعور بقداسته والإحساس بعظمته، وإلا فعليهم أن يعرّضوا أنفسهم لغضبه، فيما إذا صدرت عنهم بعض الكلمات أو الحركات أو الأوضاع العامّة أو الخاصّة الّتي لا تتلاءم مع مزاجه، أو لا تنسجم مع رغباته، وإن لم يكن لها صلة به من قريب أو من بعيد، لأنّه يرى أنّ من حقّه أن يدرس النّاس كلّ شئ من خلال راحته، لا من خلال السنّة الطبيعيّة للحياة.