خطبة الجمعة 13 ربيع الأول 1434 ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : الجمرة الشيطانية


ـ عن الصادق(ع) قال: (سمعت أبي (ع) يقول: أتى رسول الله (ص): رجل بدوي فقال: إني أسكن البادية فعلمني جوامع الكلام، فقال: آمرك أن لا تغضب، فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات حتى رجع الرجل إلى نفسه فقال: لا أسأل عن شئ بعد هذا، ما أمرني رسول الله (ص) إلا بالخير. قال: وكان أبي يقول: أي شئ أشد من الغضب إن الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرم الله ويقذف المحصنة).
ـ كيف ينجح الغضب في قيادة الإنسان نحو تدمير نفسه أو تدمير مَن أو ما حوله؟
ـ بعض الأحاديث الشريفة تمثّل الغضب بصورة جمرة، ومن طبيعة هذه الجمرة أنها جمرة شر، جمرة شيطانية، تتقد فينطلق منها الشّرر واللّهب لتُحرق صاحبها أو ما حولها.
ـ في الطب يدرس الأخصائيون كيف تنجح الجرثومة الخبيثة في السيطرة على الخلية الحية، فتنفث فيها سمومها، أو تعمل على تدميرها من الداخل، ليعرفوا كيف يمكن مقاومة ذلك أو معالجته.. وعلينا نحن أن نفهم كيف ينجح الغضب في السيطرة على الإنسان صاحب العقل والضمير والإرادة، فيسلبه ذلك كله، من أجل أن نتمكن من مقاومة أو علاج هذه الجمرة الشيطانية.
ـ عادة عندما يريد الفرد أن يتخذ قراراً فإنه يعتمد على الصّورة الواضحة للأمر، فإن لم تكن واضحة عمل على توضيحها، وهذه مسؤولية العقل الذي يقوم أحياناً بالتنسيق بين المعاني الدّقيقة وربط بعضها ببعض، لتحويلها إلى نتائج جديدة.
ـ كما أن التصرفات الناجحة في الحياة تعتمد أيضاً على مراقبة ما يقوم به الفرد، ونقد ذلك وتمحيصه، وهذا أيضاً من مسؤوليات العقل الدقيقة.
ـ ولذا فإن أول ما يقوم به الغضب هو السيطرة على العقل ليفقده هاتان الميزتان، ليصبح الفرد خاضعاً لحوافز عمياء ودوافع كأنه مجبور على فعلها أثناء الانفعال.
ـ لذا فإن من يريد أن يمنع ذلك عليه أن يعطي لنفسه مهلة قبل ردة الفعل عندما يُثار، بتغيير وضعه، وقوفاً أو جلوساً أو بصب الماء على وجهه أو غير ذلك مما يعطيه مهلة ثوان بسيطة جداً كفيلة بأن يعود إلى عقله ليستجلي الصورة من خلاله، وليقدّم له تقييماً نقدياً سريعاً لنتائج الغضب في ذلك الموضع.
ـ هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الغضب يعتمد على بيئة حاضنة في النفس الإنسانية.. نلاحظها في الحديث التالي المروي عن الإمام الصّادق(ع): (قال الحواريّون لعيسى عليه السلام: أيّ الأشياء أشدّ؟ قال: أشدّ الأشياء غضب الله، قالوا: بمَ نتّقي غضب الله؟ قال عليه السلام: بأن لا تغضبوا، قالوا: وما بدء الغضب؟ قال: الكبر والتجبّر ومحقرة النّاس).
ـ هذه هي البيئة الحاضنة التي يحتاج الإنسان إلى معالجتها أيضاً كي يعالج الغضب.
ـ فالإنسان الّذي يرى قيمته أعلى من الآخرين، فيحتقرهم، ويتجبر عليهم سلوكياً، لا يستطيع أن يملك نفسه عندما يُثار، فهو يرى لنفسه الحقّ على النّاس في كلّ شئ، ولا يرى لهم عليه أيّ حقّ، وقد يرى نفسه المحور الذي يجب أن تدور حوله الأفلاك، لتخدمه وتقدّس رغباته، فكيف لا يغضب حين لا ينسجم ما يصدر عنهم مع ذلك الشعور؟
ـ إن من يريد أن يعالج حالة الغضب في نفسه، عليه أن يبحث فيها عن مكامن الكبر لينتزعها، كما أن عليه أن يفعّل دور عقله في حياته اليومية.