الهزات الاجتماعية

تؤكِّد الحقائق الاجتماعية أنّ الهزات التي تصيب المجتمع، كالحروب، أو الهجرات التي تحدث بسبب الحروب أو الاضطهاد، أو البحث عن أوضاع أفضل، أو الكوارث الطبيعية، أو لأسباب أخرى.. تُحدِث تحولاً وتغييراً في طبيعة الحياة الاجتماعية للإنسان، وتؤثر في فكره وثقافته وسلوكه وعلاقاته مع الآخرين وكذا مع ربه ووضعه النفسي الخاص به.
وكم كانت للحروب والهجرات آثار كبرى في التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي.. إلخ.
وإن أوضح مثل على دور الهجرة في التغيير الاجتماعي هو هجرة النبي إبراهيم عليه السلام من العراق إلى الشام، وإلى الجزيرة العربية.. وهجرة بني إسرائيل من مصر إلى الشام.. والهجرة النبوية من مكة إلى المدينة.. فقد حدث التغيير التأريخي الكبير في مجرى الحياة الإنسانية إثر هجرة النبي إبراهيم عليه السلام إلى تلك المناطق.. كما كان لهجرة المسلمين، بقيادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأثر الأكبر في إقامة المجتمع الإسلامي، والدولة الإسلامية في المدينة المنورة.. ومن هناك حدثت عمليات نشر الإسلام، وانتشاره في ربوع الأرض، وحصل التغيير الحضاري الكبير على أساس عقيدة التوحيد.
وكما يؤثر المهاجرون ويحدثون التغيير، كذلك فإن هناك من يتغير ويتأثر بأوضاع البيئة الاجتماعية التي يهاجر إليها فيغير نمط حياته وسلوكه.. وكم ساهمت الحروب واستعمال العنف في تغيير المجتمعات، فقد تغيرت الأندلس الإسلامية عن طريق الحرب والقوة، وتغيرت بلاد فارس والروم عن طريق الفتوحات، واستعمال القوة لتحطيم قوة الطاغوت المتسلط.. كما حدث التغيير الفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي في شعوب كثيرة عن طريق العنف والثورة والقوة، كما في الصين على يد ماوتسي تونغ.. وفي روسيا على يد لينين.. إلخ. وتحوّلت تلك البلدان إلى الاشتراكية والماركسية بعد أن كانت دولاً إقطاعية..
كما أن مستوى المعيشة وطبيعة البيئة المدنية، أو الريفية، أو البدوية، تؤثر في تكوين الإنسان النفسي والاجتماعي.. وتنتج مفاهيم وأفكاراً متفاوتة.. وبالتالي فإن حالة الرخاء المعاشي، أو شظف العيش والفقر، تنعكس آثارها على الذات الإنسانية فتحدث تغييراً فيها.. كثيراً ما يكون تغييراً سلبياً.. لذا نجد القرآن يولي هذه الظاهرة الاجتماعية أهمية كبرى.. قال تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) (القصص: 58) وقال: (قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا) (الفرقان:18) وقال: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (التوبة:69).