الإمام الرّضا: مسيرة العلم والجهاد ـ ربيع فارس

هو الإمام الثّامن من أئمة أهل البيت عليهم السلام، كنيته ككنية جدّه أمير المؤمنين: (أبو الحسن)، ولهذا يعرف الإمام الرّضا عليه السلام بأبي الحسن الثاني. وألقابه كثيرة: الرّضا، الرّضيّ، الصّابر، الوفيّ الصّادق، الفاضل، سراج الله، الصدّيق، غريب الغرباء.
وُلِد في المدينة المنوّرة في الحادي عشر من شهر ذي القعدة في العام 148هـ، وقد عاش تسعاً وأربعين سنة وأشهراً، وقيل أيضاً إنّه عاش نيّفاً وخمسين سنة. عاصر الإمام عليه السلام بقيّة خلافة هارون الرشيد، ثم ابنه محمّد الأمين، ثم عبد الله المأمون، والّذي انتهت حياة الإمام عليه السلام وإمامته في عهده.
تميّزت مسيرة الإمام الرّضا عليه السلام بغنى العطاء العلميّ الّذي فاض به، ليشمل ليس مرحلته فحسب، بل كلّ المراحل التّالية؛ فأسّس دعائم الدّين والفكر والحكمة، وجسّد المضمون العمليّ والحيويّ للنبوّة، وعمل على تأصيل الرّسالة في واقع النّاس قولاً وممارسةً.
لقد بلغ الإمام الرّضا عليه السلام القمّة في العلم والحكمة في المرحلة الّتي عاش فيها، حيث ملأها علماً فاضت بعطاءاته على أرجاء العالم الإسلاميّ، ولم يكن في عصره أحد يدانيه في فضله وعلمه وحلمه وروحانيّته وزهده. وينقل بعض معاصريه، وهو يتحدث عن المستوى العلميّ للإمام الرّضا عليه السلام، يقول: (ما رأيت أعلم من عليّ بن موسى الرّضا، ولا رآه عالم إلا وشهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون ـ الخليفة العبّاسي ـ في مجالس له ذوات عدد من علماء الأديان ـ من اليهود والنّصارى والمجوس، وكلّ أصحاب التيّارات الفكريّة، وأراد لهم أن يوجّهوا الأسئلة إلى الإمام الرّضا عليه السلام بكلّ حريّة، وكان عليه السلام يجيبهم عن كلّ سؤال، كلٌ بحسب دينه أو فكره ـ وفقهاء الشّريعة والمتكلّمين، فغلبهم عن آخرهم، حتّى ما بقي أحد منهم إلا أقرّ له بالفضل، وأقرّ على نفسه بالقصور).
ويروي إبراهيم بن العبّاس، وهو من معاصري الإمام عليه السلام: (ما سُئِل الرّضا عن شئ من مسائل الدّين والدّنيا إلا وعلمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزّمان إلى عصره، وكان المأمون يمتحنه بالسّؤال عن كلّ شيء، فيجيبه الجواب الشّافي، فكان جوابه وكلامه وتمثّله انتزاعات من القرآن). وكان الإمام الرّضا عليه السلام وهو يسير إلى خراسان، يجتمع النّاس إليه، وخصوصاً مدوّنو وجامعو الأحاديث النبوية، فيفيض عليهم من الأحاديث المرويّة عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شتّى المسائل والعلوم.