ذكرى وفاة رسول الله

تحدث الإمام علي عليه السلام عن هذه المناسبة التي تصادف آخر شهر صفر وهو يلي غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليدلل على مدى فداحة الخسارة التي أصيب بها المسلمون بانتقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنبياء وأخبار السماء) فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان خاتم الأنبياء، لذلك اختلفت مرحلته عن المراحل التي مر بها الأنبياء من قبله لأنه كان إذا مات نبي فلا ينقطع خبر السماء بموته ولا تنقطع النبوة بموته لأن هناك نبياً يأتي من بعده. أما رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الدنيا فإنه يمثل الوفاة التي انقطع بها خبر السماء عن الأرض، وانتهت بذلك مرحلة النبوة والأنبياء.
ويضيف عليه السلام: (خصصتَ حتى صرت مسلياً عمن سواك) إنه يصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خصوصيته، بما أعطاه الله من الميزات، وبما انفتح به على الواقع من حوله، بحيث استطاع أن يكون السلوى عمن سواه، لأنه ملأ الساحة كلها بما أعطاه الله سبحانه وتعالى من خصائصه التي لم يعطها لسواه.
ثم قال: (وعممت حتى صار الناس فيك سواء) بحيث أنه عاش الشمولية للناس، وانطلق هؤلاء ليشعر كل واحد منهم بامتداد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا يختص به أحد دون أحد (ولولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع لأنفذنا إليك ماء الشؤون) والشؤون هي منابع الدمع من الرأس (ولكان الداء مماطلاً) أي لا يسرع بالشفاء (والكمد مُحالفاً) أي أن الحزن يبقى ملازماً لنا، (وقلاَّ لك) أي أنهما قليلان بالنسبة إليك (ولكنه ما لا يُملك رده) أي قضاء الله (ولا يستطاع دفعه، بأبي أنت وأمي اذكرنا عند ربك واجعلنا من بالك).
هذه هي كلمات الإمام علي عليه السلام وهو يلي غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في (نهج البلاغة). وهناك نقطة لا بد من التنبيه إليها وهي تأكيد أمير المؤمنين عن النهي عن الجزع والأمر بالصبر، فالرسول كان قد نهى عن الجزع ولو كان جائزاً فأية شخصية يعيش المؤمنون معنى مأساة فقدها أعظم من شخصية رسول الله، ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الجزع لأنه أراد للحزن أن يكون متوازناً وأن يكون إنسانياً، فلا يخرج الإنسان عن طوره ويبقى الحزن ـ مع ذلك ـ عاطفة إنسانية: (تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما لا يرضى الله). والصبر لا يستثنى فيه موقف عن موقف ولا موقع عن موقع.