شركٌ في الشُّكر

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ) أي كانت المرأة في تلك الفترة تمارس كل أعمالها بطريقة طبيعية لا ثقل فيها (فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا) أي مولوداً سوياً قابلاً للحياة والنمو الطبيعي (لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) الأعراف:189-190.
فسّر بعض المفسرين الآية الثانية بأن الأبوين بعد أن نالا مرادهما أعرضا عن الله، وعصياه وأطاعا سواه، فلم يلتزما بالعهد الذي قطعاه بأن يكونا من الشاكرين لله شكراً عملياً.. إلا أن جماعة أخرى جاءت بتفسير آخر لعله أقرب إلى ظاهر العبارة، فتكون الآية بمعنى أنهما نسبا هذا العطاء الإلهي في الدرجة الأولى إلى غير الله، ويمكن ضرب عدة أمثلة على ذلك:
1ـ بنسبة هذا العطاء إلى الآلهة والأصنام، ولسنا مبتلين بذلك والحمدلله.
2ـ بجعل صحة المولود وسلامته إلى الأم التي اهتمت بالتغذية والظروف النفسية وما إلى ذلك.
3ـ بكون الإنجاب بعد طول حرمان من الذرية بفضل الطبيب الحذق.
4ـ بإرجاع إنجاب طفل سوي بعد عدة أطفال معاقين إلى بركة الشيخ الفلاني.
إن الآية تقول لنا: إن توجه كل الشكر والتقدير والشعور بالامتنان إلى الذات أو إلى فرد أو شئ، ونسيان أن المعطي الحقيقي وبالأصالة هو الله، يعد نوعاً من جعل الشريك مع الله في العطاء.
وهذه نقطة حساسة يجب أن ننتبه إليها حتى على مستوى التعبير، وفي المروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في قول الله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ)(يوسف:106) قال: (هو قول الرجل لولا فلان لهلكت، و لولا فلان لما أصبت كذا وكذا، ولولا فلان لضاع عيالي؛ ألا ترى أنه قد جعل لله شريكاً في مُلكه يرزقه ويدفع عنه؟ قلت: فنقول: لولا أنّ الله مَنَّ عليّ بفلان لهلكت؟ قال: نعم لا بأس بهذا ونحوه).
وعن زرارة عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: (شرك طاعة: قول الرجل لا والله وفلان، ولولا الله وفلان).
بالطبع هذا لا يعني عدم شكر المخلوق، بل يعني أن نضع الأمور في مواضعها كما بيّن الإمام الصادق عليه السلام، بحيث يكون الله هو المحمود في الأساس والحقيقة، حتى في ما تحقق على يدي ذلك الطبيب مثلاً الذي سخّره الله للمعالجة، أو ذلك الشخص المُنقِذ، و غير ذلك.
إن علينا أن نفرّق بين شكرنا للناس وشكرنا لله، فالله أصل النّعم: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)(النّحل: 53)، وهو الَّذي لا جميل فوق جميله، ولا عطاء فوق عطائه، ولا برّ فوق برّه، ولا خير فوق خيره. وإذا كان شكر الله هدفاً يصعب تحقيقه كما أشار إلى ذلك الإمام زين العابدين(ع) في دعائه: (فكيف لي بتحصيل الشّكر، وشكري إيّاك يفتقر إلى شكر، فكلّما قلت: لك الحمد، وجب عليّ لذلك أن أقول: لك الحمد)، إلا أن الحديث التالي يبعث في النفوس المؤمنة شيئاً من الطمأنينة ففي الخبر أنه: (أوصى الله إلى موسى قائلاً له: يا موسى، اشكرني حقّ شكري. فقال: يا ربّ، كيف أشكرك حقّ شكرك، وليس من شكر إلا وأنت أنعمت به عليّ، قال: يا موسى، شكرتني حقّ شكري حين علمت أنَّ ذلك مني).