من وصايا الإمام المجتبى


روى الشيخ ابن شعبة الحراني في كتابه (تحف العقول) خطبة للإمام السبط الحسن بن علي المجتبى عليه السلام تتضمن قراءةً للواقع، وتوصيات عديدة:
(أيها الناس، إنه مَن نصح لله) فكان صادقاً مخلصاً في نيته (وأخذ قولَه دليلاً، هُدِي للتي هي أقوم، ووفّقه الله للرشاد، وسدَّده للحسنى، فإنَّ جارَ الله) وهو الذي يلجأ إلى الله ويرجو حماه (آمنٌ محفوظ، وعدوَّه خائفٌ مخذول) ولابد لهذا من ثمن يقدّمه الإنسان، فما هو؟ (فاحترسوا من الله بكثرة الذِّكر، واخشوا الله بالتقوى، وتقرَّبوا إلى الله بالطاعة، فإنه قريب مجيب، قال الله تبارك وتعالى: [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ]) إن مشكلة الكثيرين أنهم حين يضعفون، يبحثون في الاتجاهات الخاطئة عما يخلّصهم من هذه الأوضاع الضاغطة، فيلجؤون إلى ساحرٍ أفّاك، أو مدّعٍ بمعرفة المستقبل، وكشفٍ للغيوب، وفتحٍ للكتاب، وإلى غير ذلك، إلا أن الإمام عليه السلام يؤكد على ضرورة أن يُحسن الإنسان ظنَّه بالله، الذي أخبره أنه قريب سميع بصير قدير مجيب الدعوات، وعلى الإنسان أن يتوجه إليه بطلباته ويدعوه، فهذا هو سبيل الرشاد، وما سوى ذلك دليل على سوء الظن بالله، ودليل على ضعف تقوى الله أو انعدامها.
(فاستجيبوا لله وآمنوا به، فإنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم، فإنَّ رِفْعةَ الذين يعلمون عَظمةَ الله أن يتواضعوا، وعِزَّ الذين يعرفون ما جلالُ الله أن يتذللوا له، و سلامةَ الذين يعلمون ما قُدرةَ الله أن يستسلموا له، ولا يُنكروا أنفسَهم بعد المعرفة، ولا يضلُّوا بعد الهدى. واعلموا علماً يقيناً أنكم لن تعرفوا التُّقى حتى تعرفوا صفة الهدى، ولن تُمسِكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه) وكأنَّ الإمام يشير إلى مضمون قوله تعالى: [وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ] فقد ضل أهل الكتاب وأخلفوا ميثقاهم مع الله حين كتموا حقيقة نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهم يعرفونها.. وقد قال النبي من قبل: [لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه].
(ولن تتلوا الكتاب حقَّ تلاوته حتى تعرفوا الذي حرَّفه) والتلاوة الحقيقية هي التي تكون مع وعي الآيات.. وهذه إشارة أخرى إلى تكرار ما ارتكبه أهل الكتاب من قبل في تحريف مضمون ما نزل عليهم، إما نصاً وإما تفسيراً: [أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ]. وقد عمل البعض على تحريف تفسير القرآن.. أما النص فقد حفظه الله.
(فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف، ورأيتم الفرية على الله والتحريف، ورأيتم كيف يهوي مَن يهوي. ولا يَجهلنكم الذين لا يعلمون. والتمسوا ذلك عند أهله) ويشير بذلك إلى آل اللنبي، وكأنه يقول: اطلبوا الحق عند أهل بيت محمد (فإنهم خاصةً نورٌ يُستضاءُ بهم، وأئمةٌ يُقتدى بهم. بهم عيشُ العلم وموتُ الجهل، وهم الذين أخبركم حلمُهم عن جهلِهم) أي كشَف حلمُهم عن جهل أعدائهم، لأن الحِلم قرينُ العلمِ والحكمة (وحكَمَ منطقُهم عن صمتهم) فمن خلال كلامهم تعرفون لماذا يختارون الصمت أحياناً، لأنهم أصحاب الحكمة والعقول الرشيدة التي تستدعي أن لا يتكلموا إلا حيث يكون الكلام في محله (وظاهرُهم عن باطنِهم) فلا نفاق عندهم ولا ازدواجية في الشخصية (لا يخالفون الحق، ولا يختلفون فيه. وقد خلت لهم من الله سُنَّة، ومضى فيهم من الله حُكم، إن في ذلك لذكرى للذاكرين) فهم لسنن الله مدركون، ويعلمون أن الأمور تجري وفق القوانين التي أودعها الله في الوجود، فإنْ لم ينزل الناس عند وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهم، رضوا بحكم الله ومقادير الأمور (واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعاية ولا تعقلوه عقل رواية، فإنَّ رُواةَ الكتابِ كثير، ورُعاتَه قليل، والله المستعان).