شكوك و أوهام - الشيخ علي حسن

كيف وُجد الله؟ مَن خلق الله؟ ما هيئته؟ أين هو الآن؟.. أفكار وشكوك وتساؤلات عديدة ومتكررة تدور في أذهان كثير من الشباب حول الخالق جل وعلا، وأحياناً تلح بصورة قوية، وقد تتطور إلى أفكار غريبة تضغط على الشاب الذي يشعر بالتناقض بين إيمانه بالله الواحد سبحانه، وبين هذه الشكوك والتساؤلات والأوهام، وهذا الضغط يولد أحياناً حالة من الإنهيار النفسي نتيجة توهم ترتب الكفر والخروج من الدين.. ومن المؤسف أن بعضاً من أنصاف المتعلمين يسرع بالإفتاء بتكفير من يتساءل حول هذه الموضوعات بحثاً عن جواب، أو سعياً للتخلص من التشوش الفكري والنفسي الذي يعيشه.
معالجة من عدة نواح:
ولا بد من معالجة الموضوع من عدة نواح:
الناحية الأولى: هل أن الشك في التوحيد أو النبوة أو اليوم الآخر يحوّل الإنسان من مسلم إلى كافر؟ بمراجعة النصوص المروية عن النبي وآله عليهم السلام نجدها على نحوين: الأول من قبيل ما رواه عبدالله بن سنان عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: (مَن شك في الله وفي رسوله فهو كافر). والثاني من قبيل ما رواه محمد بن مسلم قال: (كنت عند أبي عبدالله الصادق عليه السلام جالساً عن يساره وزرارة عن يمينه، فدخل عليه أبو بصير فقال: يا أبا عبدالله، ما تقول في من شك في الله؟ فقال: كافر يا أبا محمد. قال: فشك في رسول الله؟ فقال: كافر. قال: ثم التفت إلى زرارة فقال: إنما يكفر إذا جحد).
والجمع بين النصوص من النحوين السالفين يمكن من خلال اعتبار أن النصوص على النحو الأول مطلقة، والتي على النحو الثاني مقيِّدة لها، والنتيجة أن مجرد الشك لا يؤدي إلى الكفر، بل الشك الذي يجحد من خلاله الإنسان ويجعله عارفاً بالحق ومعانداً له في نفس الوقت. ولذا قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (ولو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا، لم يكفروا).
ثم إن العقل يحكم بأن الانسان له العذر في مرحلة الطلب والبحث عن العقائد الصحيحة، سيما عندما تكثر الشبهات والطروحات البراقة، ويقبح عقلاً أن يعاقبه المولى الحكيم والعادل على شكوكه الجارية في طريق البحث والوصول إلى الحقيقة.
مسألة قديمة:
الناحية الثانية: هل التساؤلات والأوهام حول الخالق سبحانه من إفرازات هذا العصر؟ بين أيدينا عدة نصوص يعود بعضها إلى عهد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، تذكر لنا حالات مشابهة عاشها بعض أصحابه وبعض المؤمنين في فترات لاحقة، منها هذا النص الذي رواه الكليني رحمه الله في الأصول من الكافي باب الوسوسة وحديث النفس: (عن علي بن مهزيار قال: كَتبَ رجل إلى أبي جعفر (الإمام محمد الجواد) عليه السلام يشكو إليه لمماً يخطر على باله، فأجابه في بعض كلامه: إن الله عز وجل إن شاء ثبّتك فلا يجعل لإبليس عليك طريقاً. قد شكى قوم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمماً يعرض لهم لئن تهوي بهم الريح أو يُقطعوا أحب إليهم من أن يتكلموا به، فقال رسول الله: أتجدون ذلك؟ قالوا: نعم. فقال: والذي نفسي بيده إن ذلك لصريح الإيمان، فإذا وجدتموه فقولوا: آمنا بالله ورسوله ولا حول ولا قوة إلا بالله).
أفكار متنوعة:
الناحية الثالثة: كيف نعالج المشكلة إن عانى منها البعض؟ الملاحظ في النصوص أن المشكلة تعالج بعدة وسائل:
1ـ تهوين الأمر لتخفيف الضغط النفسي والتجرد التدريجي من هذه المعاناة، فعن محمد بن حمران قال: (سألت أبا عبدالله (جعفر الصادق) عليه السلام عن الوسوسة وإن كثرت! فقال: لا شئ فيها، تقول: لا إله إلا الله).
2ـ الحث على أذكار التوحيد أو النبوة لتركيز الحالة الإيمانية وبعث الثقة بالنفس، فعن جميل بن دراج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: (قلت له: إنه يقع في قلبي أمر عظيم! فقال: قل: لا إله إلا الله. قال جميل: وكلما وقع في قلبي شئ، قلت: لا إله إلا الله، فيذهب عني).
3ـ تركيز بعض الرسائل الإيمانية القصيرة في الذهن، نلاحظ هذا الخبر المروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله هلكتُ! فقال له: أتاك الخبيث، فقال لك: مَن خلقك؟ فقلت: الله؟ فقال لك: الله مَن خلقه؟ فقال: إي والذي بعثك بالحق لكان كذا. فقال رسول الله: ذاك والله مَحْضُ الإيمان. قال ابن أبي عمير: فحدثت بذلك عبدالرحمن بن الحجاج فقال: حدثني أبي عن أبي عبدالله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما عنى بقوله "هذا والله محض الإيمان" خوفُه أن يكون قد هلك حيث عرض له ذلك في قلبه) أي أن مجرد هذا التخوف واللجوء إلى النبي دليل على إيمان الشخص، وأن تلك محض أوهام.
وفي حديث آخر: (والله ما نافقتَ، ولو نافقتَ ما أتيتني) وفي آخر: (إن الشيطان أتاكم مِن قِبَلِ الأعمال فلم يقوَ عليكم، فأتاكم من هذا الوجه لكي يستزلكم).