وَصْـفة للراحة النفسية

بعث الله سبحانه النبيين عليهم السلام وحمّلهم مسؤولية هداية الناس لتزكية النفس وتعليمهم كلمات الله وشريعته والحِكَم التي من خلالها يديرون حياتهم بصورة أفضل، وفي ذلك قال سبحانه: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ) (البقرة:231).
وقد حمل أئمة أهل البيت عليهم السلام مسؤولية هذه المسيرة بعد خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقدّموا الحكمة كأروع ما يكون بياناً وتفصيلاً وتطبيقاً، وتراثهم في هذا الإطار يزخر بتلك الصور المشرقة. والنص التالي يمثّل نموذجاً من نماذج نهوض الأئمة بتلك المسؤولية. فقد روى الإمام محمد الباقر عليه السلام أن الزُّهْري محمد بن مسلم بن شهاب دخل على زين العابدين عليه السلام كئيباً حزيناً، ودار بينهما حوار عن سبب حزنه وكآبته، فقدّم له الإمام وصفة الراحة النفسية، وتضمنت الضوابط التالية:
1ـ حكّم عقلك: فالعقل صمام أمان في الحياة، من خلاله يضبط الإنسان تصرفاته وأقواله وردود فعله، ويضعها في المسار السليم: (يا زُهُري، مَن لم يكن عقلُه مِن أكمل ما فيه، كان هلاكُه من أيسر ما فيه).
2ـ لا تظلم: وضابطة ذلك بيّنها الإمام بقوله: (يا زهري، عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك: فكبيرُهم منك بمنزلة والدك، وتِربُك منهم بمنزلة أخيك، وصغيرهم منك بمنزلة وَلَدِك، فأي هؤلاء تحبّ أن تظلم؟ وأي هؤلاء تحبُّ أن تدعوَ عليه؟ وأي هؤلاء تحبّ أن تهتكَ سِتره؟).
3ـ لا تتكبر: وواجه تسويلات الشيطان لإيقاعك في الشَرَك الذي وقع فيه هو من قبل، وخسر من خلاله الدارين، وبيّن عليه السلام ضابطة ذلك بقوله: (وإن عرض لك إبليس ـ لعنه الله ـ بأنّ لك فضلاً على أحدٍ من أهل القبلة، فانظر إن كان أكبرَ منك، فقل: قد سبقني بالإيمان والعمل الصالح، فهو خيرٌ مني. وإن كان أصغرَ منك، فقل: قد سبقتُه بالمعاصي والذنوب، فهو خيرٌ مني. وإن كان تِربُك فقل: أنا على يقينٍ من ذنبي، وفي شكٍّ من أمره، فما لي أدع يقيني لشكّي؟).
4ـ أحسِن تفسير الأمور، قال عليه السلام: (وإن رأيتَ المسلمين يعظمّونك ويوقّرونك ويبجّلونك فقل: هذا فضلٌ أخذوا به. وإن رأيتَ منهم جَفاءً وانقباضاً عنك فقل: هذا لذنب أحدثتُه).
ـ وأما النتيجة المتوخاة من كل ما سبق فهي كما قال عليه السلام: (فإنك إذا فعلت ذلك، سهّل الله عليك عيشَك، وكثُر أصدقاؤك، وقلّ أعداؤك، وفرحتَ بما يكون من بِرِّهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم).
ـ ثم أضاف الإمام عليه السلام بُعداً آخر للنجاح في العلاقات الاجتماعية، قال: (واعلم أنّ أكرم الناس على الناس من كان خيرُه عليهم فائضاً، وكان عنهم مستغنياً متعفّفاً. وأكرم الناس بعدَه عليهم من كان متعفّفاً، وإن كان إليهم محتاجاً، فإنما أهل الدنيا يتعقبون الأموال، فمن لم يزدحمهم فيما يتعقبونه كَرُم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكّنهم من بعضها، كان أعزّ وأكرم).