أدب الحضور في المساجد

في جانب من وصية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لصاحبه أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: (يا أبا ذر، الكلمةُ الطيبةُ صدقة) ومثلما يحب المحتاج أن يُتصدَّق عليه بالمال، ينبغي أن يحب كلُّ إنسان النصيحة، ويكون شاكراً لمن يقدِّمها، لأن الناس جميعاً بحاجة إلى من يرشدهم في هذه الحياة (وكلُّ خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة) ودون أن تنفق مالاً (يا أبا ذر، مَن أجاب داعيَ الله) حين يؤذن المؤذن (وأحسن عمارةَ مساجدِ الله كان ثوابُه من الله الجنة. فقلت: كيف تُعمَر مساجدُ الله؟ قال: لا تُرفع الأصواتُ فيها، ولايخاض فيها بالباطل، ولا يُشترى فيها ولا يباع) فهذا بُعد آخر لعمارة المساجد بالصورة المثلى بجانب العمارة المادية لها (واترك اللغو ما دمتَ فيها، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسَك) وهنا التفاتة تربوية.. فكثيرون هم الذين يتساهلون في شأن الآداب باعتبارها من السنن والمستحبات والمكروهات، لا من الواجبات والمحرمات التي يُعاقَب عليها الفرد.. ولكن من الضروري أولاًَ أن نفرّق بين الآداب الشخصية التي لا تمس الآخرين، كأن يحافظ الإنسان على أن يكون على طهارة طوال اليوم، وبين الآداب التي تؤثّر إيجاباً وسلباً على الآخرين، من قبيل آداب الحضور في المساجد. كما أنه من الضروري أيضاً أن نوصل رسائلنا التربوية للآخرين بلغة يشعرون معها بنوع من الحزم، مبتعدين عن اللغة التي تحوّل تلك الآداب الهامة إلى شئ هامشي في تصرفات الفرد التي تمس مصالح ومشاعر الآخرين.
(يا أبا ذر، إن الله تعالى يُعطيك ما دُمتَ جالساً في المسجد بكلِّ نفَسٍ فيه تنفسْتَ درجةً في الجنة، وتُصلّي عليك الملائكة، ويُكتَب لك بكلِّ نفَسٍ تنفسْتَ عشرُ حسنات، ويُمحى عنك عشرُ سيئات. يا أبا ذر، أتعلم في أيِّ شئٍ أنزلت هذه الآية: [اصبروا وصابِروا ورابِطوا واتقوا الله لعلكم تُفلِحون]؟ قلت: لا أدري، فداك أبي وأمي. قال: في انتظارِ الصلاةِ خلفَ الصلاة). بالطبع، فإن هذا لا يعني أن الآية نازلة في هذا الشأن، بل إن المقصود أنها تنطبق على هذا الأمر كما تنطبق على المرابطة في ساحات المواجهة العسكرية (يا أبا ذر، إسباغُ الوضوء في المكاره) حين يصعب استعمال الماء لشدة البرودة مثلاً (من الكفارات، وكثرةُ الاختلاف) التردد (إلى المساجد فذلكم الرِّباط. يا أبا ذر، يقول الله تبارك وتعالى: إن أحبَّ العبادِ إليَّ المتحابُّون من أجلي، المتعلقةُ قلوبُهم بالمساجد، والمستغفرون بالأسحار. أولئك إذا أردتُ بأهلِ الأرض عقوبةً ذكرتُهم، فصرفتُ العقوبةَ عنهم. يا أبا ذر، كلُّ جلوسٍ في المسجد لغوٌ إلا ثلاثاً: قراءةُ مصلٍّ، أو ذكرُ الله، أو سائلٌ عن علم).