خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول وصية لأمير المؤمنين


ألقيت في 22 مايو 2009
. أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فإنها منتهى رضاه وحاجتِه من خلقه. فاتقوا اللَّه الذي أنتم بعينه، ونواصيكُم بيده، وتقلبكُم في قبضته. إن أسررتم علمه، وإن أعلنتم كتبه، وقد وكّل بذلك حفظةً كراماً، لا يُسقطون حقاً ولا يُثبتون باطلاً. واعلموا أنه من يتقٍ الله يجعل له مخرجاً من الفتن، ونوراً من الظلم، ويُخلده فيما اشتهت نفسُه، ويُنزله منزلَ الكرامة عنده، في دار اصطنعها لنفسه، ظلُّها عرشُه، ونورُها بَهجتُه، وزوارُها ملائكته، ورفقاؤها رسُله، فبادروا المعاد، وسابقوا الآجال، فإن الناس يوشك أن ينقطع بهم الأمل، ويُرهقهم الأجل، ويُسَد عنهم بابُ التوبة.
فقد أصبحتم في مثل ما سأل إليه الرجعةَ من كان قبلَكم، وأنتم بنو سبيل، على سفر من دارٍ ليست بداركم، وقد أوذنتم بالارتحال، وأُمرتم فيها بالزاد، وأعلموا أنه ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار، فارحموا نفوسكم، فإنكم قد جربتموها في مصائب الدنيا. أفرأيتم جزع أحدِكم من الشوكة تصيبه، والعثرةِ تدميه، والرمضاءِ تحرقه؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيع حجر وقرين شيطان؟! أعلمتم أن مالكاً إذا غضب على النار حطّم بعضُها بعضاً لغضبه، وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعاً من زجرته! أيها اليَفَنُ الكبير، الذي قد لهزه القتير (خالطه الشيب)، كيف أنت إذا التحمَت أطواقُ النار بعظام الأعناق، ونشبت الجوامع حتى أكلت لحومَ السواعد.
فالله الله معشر العباد! وأنتم سالمون في الصحة قبل السُّقم، وفي الفُسحة قبل الضيق. فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تُغلَق رهائنُها. أسهِروا عيونَكم، وأضمِروا بطونكم، واستعملوا أقدامكم، وأنفقوا أموالكم، وخذوا من أجسادكم فجودوا بها على أنفسكم، ولا تبخلوا بها عنها، فقد قال الله سبحانه: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} وقال تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له، وله أجر كريم}. فلم يستنصركم من ذل، ولم يستقرضكم من قِلّ؛ استنصركم وله جنود السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم، واستقرضكم {وله خزائن السماوات والأرض، وهو الغني الحميد}. وإنما أراد أن {يبلوكم أيُّكم أحسن عملا}. فبادروا بأعمالكم تكونوا مع جيران الله في داره. رافَقَ بهم رسلَه، وأزارَهم ملائكتَه، وأكرمَ أسماعَهم أن تسمع حسيس نارٍ أبداً، وصان أجسادهم أن تلقى لغوباً ونصباً، {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم}.
أقول ما تسمعون، والله المستعان على نفسي وأنفسكم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.