تجاربي مع المنبر (4) الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

هدف الخطابة الحسينية ينصبّ في أصله على تهيئة الجماهير للإيمان بمضامين تتعلق بواقعة الطفّ من حيث أسبابها وأهدافها ومفردات الحوادث التي وقعت بها وما نجم عنها بعد ذلك إلى غير ذلك من بحوث تستهدف في الخطابة حمل الناس على الإيمان بمضمونها عن طريق الإقناع.
ولمّا كانت هذه المضامين تخاطب المسلمين وغير المسلمين فهي تحاول إقناع غير المسلمين بأن من اجترحوا إثم الواقعة من الأمويين انسخلوا عن أبسط مقوّمات الإنسانيّة وتحوّلوا إلى وحوش كاسرة ممّا يكشف عن فظاعة ما قد ينتهي إليه الإنسان من هبوط يترفّع عنه حتى الحيوان أحياناً. وتخاطب المسلمين لتقنعهم بوجاهة ومشروعية نهضة الحسين التي لها مبرّراتها الشرعية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوقوف بوجه هجمة استهدفت رسالة الإسلام مجسّدة في شخص الحسين وأشخاص أهله من العترة الطاهرة، وإن بدا ذلك غريباً أن نلتمس لسيد شباب أهل الجنّة طُرقاً لتبرير مشروعية ثورته التي لا تحتاج لذلك ما دام قد نعته رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسيّد شباب أهل الجنّة، ولا يمكن أن يسود أهل الجنّة من يخرج عن ضوابط الإسلام، وما دامت عشرات النصوص تضع الحسين عليه السلام في امتداد النبوّة وتحوطه بحصانة الإسلام، فهو إمام إن قام أو قعد، وهو سنخ من سنخ رسول الله، وهو ريحانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا.. ولكن مَن يخاطَب من المسلمين بذلك نشأ بأجواء بعيدة عن فهم مَن هم أهل البيت وليس مكان الشرح هنا.
ومن هنا يتبيّن أهمّية موضوع الخطابة الحسينية وبُعدها الرسالي وموقعها من صميم العقيدة، وذلك لأنّ السواد الأعظم من المسلمين وغيرهم لم يوضع بهذه الأجواء بل وضع بعكسها فهو بحاجة لأن ينتقل إلى أجواء موضوعية تريه الحقيقة كما هي.
إذاً فالخطيب إنطلاقاً من تعريفه بأنّه ـ حسن الخطبة ـ يستبطن هذا التعريف الأمور التالية:
1ـ أسلوب الطرح وهو أمر مهم يكون له أبلغ الأثر على السامع كما يحدد مكانة الخطيب ومنزلته من نفوس السامعين ومن سكب المضمون الذي يريد إيصاله إلى الآخرين في عبارات مناسبة ومهذّبة تخلو من التبجح والإدّعاء وتستعمل المفردة التي لها وقع في نفوس الجمهور فإنّ المفردة الكلامية كما يكون لها في الشعر دور كبير كذلك هي في النثر.
2ـ كذلك إنطلاقاً من التعريف يتعيّن تتبّع العلامات البارزة والأحجام المرموقة التي لها إسهام في المشاركة بالطف، فإنّ ذلك بالإضافة إلى كونه مادة دسمة في مضمون المنبر فإنّه يثبت معنى القدوة في نفوس قد تكون ضعيفة تشعر بالتذمّم من ممارسة أمثال هذا اللون من الشعائر.
3ـ العمل بمهارة على وضع المستمع المسلم أمام مسؤوليّته في عدم التحرّج من عمل يحبذه الإسلام بتشريعه وإشخاصه نظريةً وممارسةً، ودعوة المسلمين إلى فهم ذلك جيّداً لجعل المسلمين في هذه الأجواء وعدم ابتعادهم عن أمر يحقّق لهم أجراً وإفادة في فهم خلفيّاتنا التاريخيّة وتصحيح كثير من المسارات التي أخذ المنبر يساهم في إلقاء الضوء عليها.