خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول العوامل النفسية المؤثرة سلباً على التقارب بين المسلمين ج1


ألقيت في 29 مايو 2009
ـ إن بعضاً من مشكلة المسلمين في ما اختلفوا فيه في شؤون العقيدة والفقه لا يعود إلى أساس علمي بل نفسي
ـ مثال: اللف والدوران عند اكتشاف إمكانية صواب فكر الآخر تهرباً من لوازم الاعتراف بالخطأ (نَص الغدير)
ـ لا يتحقق تغيير إلى الأحسن ولا يقترب من الآخر
ـ أشبه ما يكون بالروح العشائرية التي تفرض التمسك بالشئ وإن تبيَّن خطؤه مادام يحمل عنوان العشيرة، وعلى الطريقة العشائرية في انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، لا بالطريقة الإسلامية (ترده عن ظلمه، فذلك نصرك إياه).
ـ مثال على المستوى الذي نرغب في أن ترتقي إليه العلاقة بين السنة والشيعة والتي تؤكد تجاوز الحالة النفسية المانعة من التقارب: كتب الشيخ محمد جواد مغنيّة رحمه الله (ت1400 هـ/1979م) مقالاً حول لقائه بشيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت أثناء سفره إلى القاهرة عام 1383 هـ/1963م.
ـ كلاهما كانا من دعاة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب والمتحمسين في هذا الاتجاه والعاملين لتحقيقه، لا على طريقة الإخوة القائمين على (مبرة الآل والأصحاب) الذين دأبوا على تخطئة إخوانهم المسلمين الشيعة على الدوام.
ـ وليست عندهم لقاءات حوارية مثمرة بين العلماء من المدرستين
ـ ولا بحْث للقضايا المختلفة بطريقة علمية لتقريب وجهات النظر
ـ ولا تقديم مشروع عملي وحقيقي يعمل على رأب ما يتصدع في العلاقات بسبب الإثارات من الجانبين، وبسبب إفرازات الساحة السياسية والانتخابية، والأيادي التي تعمل في الخفاء لإذكاء الخلافات للتكسب من ورائها، ولو على حساب مصلحة الوطن..
ـ بل كانت جهود الشيخين وإخوانهم العلماء رحمهم الله ـ آنذاك ـ قائمة على احترام الآخر ومتبنياته، والتحاور معه بقلوب مخلصة ونيات صادقة، وبعيداً عن الحسابات السياسية والمصالح الفئوية والنظرة الضيقة.
ـ وفي ما كتبه المرحوم الشيخ مغنية حول ذلك اللقاء: (اجتمعت به في داره، فأهلّ ورحّب، واستقبلني أفضل استقبال، وحين قُـدِّم لنا شراب الليمون، أبى إلا أن نشترك في كأس واحد، فكان يشرب قليلاً، ويناولني الكأس، فأشرب من سؤره ـ أي ما تبقى من شُربه ـ وجرى بيننا حديث الشيعة والتشيع، فأثنى وأطنب، وقال في ما قال: إن الشيعة هم الذين أسسوا الأزهر، وبقي أمداً غير قصير تُدرّس فيه علومهم ومذهبهم، ثم أعرض القائمون عليه عن هذا المذهب، فحُرموا من نوره الساطع وفوائده الجمة). (في مقابل من يتحدث عن استنقاذ الأزهر من الشيعة)
ـ وخاطبه كاتب المقال رحمه الله: (إن مكانتكم عند علماء الشيعة كبيرة وسامية، وقد تظنون أنتم أو يظن غيركم أن السبب هو فتواكم بجواز التعبد بمذهب التشيع... أجل إن فتواكم هذه تُنبئ عن الجرأة وعدم المبالاة بلوم اللائمين في الحق والعدل، إن علماء الشيعة يحترمونكم لخدماتكم الدينية ونصحكم للإسلام، وإنهم مع كل من يناصر الدين وينصح له كائناً من كان... يقولون إن لدى الغرب صواريخ وقنابل ذرية، وما دروا أن لدينا نحن أهل الحق والإسلام قنابل وصواريخ أعظم أثراً وأشد خطراً على الباطل، ولكنها تحتاج إلى خبراء فنيين كالشيخ شلتوت، تماماً كما يحتاج إطلاق الصواريخ وإلقاء القنابل إلى أهل الاختصاص).
ـ هذا العامل النفسي السلبي للأسف يدفع كل طرف ـ وبسبب الحساسية المذهبية ـ كي لا يطيق النظر إلى وجهة النظر الأخرى في المذهب الآخر بموضوعية.
ـ والقضية لا تنحصر في عامة الناس الذين يتحركون بمشاعرهم لا بأفكارهم وعقولهم، بل تمتد لتشمل العلماء والباحثين والمفكرين الذين يفترض أن تكون المسألة لديهم مسألة مواجهة الفكر بفكر آخر، لا مواجهة الانفعال بانفعال، لأن العلماء لا ينفعلون.. بل يفكرون.
ـ العلاج يكمن أولاً في معالجة وضع العلماء والمبلغين والباحثين والمثقفين لأنه ـ في كثير من الأحايين ـ هم الذين يحرّكون المسائل الخلافية في القضايا المذهبية لدى عامة الناس، فإذا استطاع العلماء أن يحصلوا على قاعدة فكرية تتقارب فيها الآراء، فإننا نستطيع أن نخطط لأوضاع شعبية عامة تتقارب فيها المواقف.
ـ قال تعالى (وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُم إِنَّ الشَّيطَان كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) الإسراء/53.