خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول الدعاء


ألقيت الخطبة في الخامس من يونيو 2009
ـ من مميزات أدعية أهل البيت عليهم السلام اشتمالها على استعراض نقاط الضعف ومواطن الخلل في النفس البشرية. وفي دعاء الإمام السجاد (ع) في الدعاء لنفسه وأهله قوله: (اللّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، واجْعَلْ سَلاَمَةَ قلوبِنَا فِي ذِكْرِ عَظَمَتِكَ، وفَرَاغَ أبْدَانِنَا فِي شُكْرِ نِعْمَتِكَ، وانْطِلاَقَ ألْسِنَتِنَا فِي وَصْف مِنَّتِك. اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، واجْعَلْنَا مِنْ دُعاتِكَ الدَّاعينَ إلَيْكَ، وهُدَاتِكَ الدَّالِّينَ علَيْكَ، ومِنْ خَاصَّتِكَ الخاصِّينَ لَدَيْكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمِينَ)َ.
ـ عقولنا مشغولةٌ بالاستغراق في مظاهر العظمة لعباد الله، فهي في شغل دائم في تعداد خصال هذا أو ذاك، وفي تعظيم صفات إنسان لامع، وآخر مشهور، على مستوى السياسة أو الفن أو الرياضة أو المال.
ـ وأبداننا في حركة دائمة لشكر عبادك على ما أولوها من قضاء حاجةٍ، وحلِّ مشكلةٍ، وتفريج كربٍ، وتنفيس همٍّ، ورفع درجةٍ، ونحو ذلك، بالتكريم وتقبيل الرؤوس والأيادي والانحناء احتراماً أو تعظيماً.
ـ وألسنتنا منطلقةٌ في وصف منن المخلوقين، في ما يقدّمونه لنا من عطايا وفواضل تلبّي حاجاتنا وقضايانا.
ـ هذا الاستغراق العقلي والبدني واللساني ماذا يقابله تجاه صاحب النعمة والمن الحقيقي كله؟ وهل نعيش كل هذا الإحساس والتقدير بالشكر له؟
ـ الإمام عليه السلام يعتبر أن هذا الإخلال في ميزان الشكر والامتنان، يعتبر ظلالاً ومرضاً للقلب وانحرافاً عن صراط العبودية، وفقداناً لوضوح الرؤية للحقيقة الكامنة في سرّ الوجود كله (اجْعَلْ سَلاَمَةَ قلوبِنَا فِي ذِكْرِ عَظَمَتِكَ)، لأنّ الآخرين ـ مهما بلغوا في عظمتهم ـ ما هم إلا ظلال للحقيقة، لأن الله هو الذي أعطاهم هذه العظمة والرفعة.
ـ اللهمَّ فأبعدنا عن هذا المرض القلبي، وامنحنا الصحة الروحية في الاستغراق في عظمتك، حتى لا نحسّ بأيّ وجود غير وجودك، وأيّة عظمة غير عظمتك، فنذكر ذلك كلّه بالكلمة وبالعقل والروح وبالواقع الذي نتحرّك فيه.
ـ اللهمَّ واجعل فراغنا مملوءاً بشكر نعمتك. وللشكر مظهران، مظهر الكلمة المعبِّرة عن المعنى وهي كلمة الشكر لله، ومظهر العمل الذي يجسّد الفكرة في الطاعة لله والخضوع له في كل الأمور الصغيرة والكبيرة.
ـ وأطلق ألسنتنا في تِعداد مِنَنِك المتوالية في حياتنا، ليكون ذلك تعبيراً صارخاً عن إحساسنا بها وتقديرنا لها.
ـ يا ربّ، اجعلني الإنسان الذي يعيش حركيَّة الدعوة وفكرها وقضيّتها، كمنطلق لدعوة الناس إليك، ليتعرّفوا وحدانيتك وعظمتك في جلالك وكمالك، واجعلني ممّن ينفتح على الهدى الذي أقدّمه إلى الناس في خطوط الحق في كتابك وسنّة رسولك، لأكون من هداتك الذين يحملون الدلالة عليك رسالةً كبرى، من أجل أن تكون كلمة الشيطان هي السفلى، وتبقى كلمتك هي العليا في وجدان الناس العقلي والروحي والشعوري والحركي، في كل موقع للإنسان فيه قضية، وللحياة فيه حركة، ولله فيه أمر أو نهي.
ـ يا ربّ اجعلني من خاصَّتك الخاصِّين لديك، الذين يعيشون الإيمان في خصوصياتهم الذاتية، والصَّلاح في شؤونهم الخاصَّة، والمحبَّة لك في عمق مشاعرهم الشخصية. يا أرحم الراحمين، يا ربّ الرحمة وإله المحرومين، هبنا رحمتك في كل حياتنا، وفي كل حركتنا في الدنيا والآخرة.