خطبة الجمعة 9 محرم 1434 هـ ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : من خطابات سيد الشهداء


ـ روى المحدِّثون خطبةً للإمام أبي عبدالله عليه السلام خطبها بذي حُسَم، وهي منطقة قريبة من الكوفة. قال عقبة بن أبي العيزاز: قام حسين عليه السلام بذي حسم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
(إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيَّرت وتنكَّرت وأدبَر معروفُها واستمرَّت جَذّاء) هكذا وصف الإمام(ع) حالة الانقلاب الحضاري الذي عاشته أمة محمد(ص) الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور، ورسّخ فيهم قيم العدل والحق والمعروف، فما كان من بني أمية إلا أن غيّروا وبدّلوا، فعادت معهم قيم الجاهلية ليصبح المعروفُ منكراً والمنكرُ معروفاً، وتحطّمت بذلك صورة الإسلام في نفوس المسلمين.
(فلم يبق منها إلا صبابةٌ كصبابةِ الإناءِ، وخسيسُ عيشٍ كالمرعى الوبيل) هكذا تبدّلت صورة الحياة وقيمتُها في عينِ الحسين(ع)، فما قيمة الحياة بلا قيم؟ وما قيمة الحياة حين تُهدَر كرامة الإنسان؟ وما قيمة الحياة حين يتخلى الناس عن إنسانيتهم؟ وما قيمة الحياة حين تُسلب منهم الحرية؟
(ألا ترون أن الحق لا يُعمل به؟ وأن الباطل لا يتناهى عنه؟) ماتت ضمائر البعض، وامتلأت قلوب آخرين رعباً من بطش بني أمية، وتبدّلت القيم عند مَن تبقّى من الناس، فأقبل الجميع على باطل الفكر، وباطل العقيدة، وباطل السلوك، وباطل القول بلا حرج ولا استحياء، وبات الحقُّ غريباً بين الناس، ولمّا يمضِ على رحيلِ صاحبِ الرسالة أكثرُ من نصف قرن!
(ليرغب المؤمن في لقاءِ الله محقاً) فيختم حياته بحُسن العاقبة، في طريقٍ تُكتَبُ له فيه الحياة السعيدة بين يدي الله عزوجل، لأن الله يقول: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران:169-171.
(فإني لا أرى الموت إلا شهادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا برماً).
ـ يقول الراوي: (فترقرقت عينا حسينٍ عليه السلام ولم يملك دمعَه) إنها دموعُ الشوق للقاء الأحبة، محمدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسن.. للقاء قوافل الشهداء الذين مضوا محقّين صابرين مجاهدين.. وكم صبرَ الحسين للقاء هذا اليوم الذي نزل به خبرُ السماء، ووعته قلوب المحبّين.. وهي في ذات الوقت دموعُ الحزن على هؤلاء القوم الذين ما زالوا مصرِّين على انتهاك حرمة رسول الله، وبيع آخرتِهم بدنياهم، وبأبخس الأثمان.
(ثم قال عليه السلام: منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا، اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقرٍّ من رحمتك ورغائبَ مذخورِ ثوابِك). السلام عليك يا أبا عبدالله وعلى الأرواح الت حلت بفنائك وأناخت برحلك، عليك مني سلامُ الله أبداً ما بقيت، وبقي الليل والنهار.