ليالي عاشوراء 1434 هـ مع الشيخ علي حسن ـ الليلة السابعة


ـ بعد مجمل ما تحدثنا به في الليالي الماضية نعود إلى سؤالنا الرئيسي: هل كان الإمام الحسين(ع) يعلم عند خروجه إلى العراق بأنه خارج للشهادة في كربلاء؟ وبالتالي: هل خرج لكي يستشهد في كربلاء؟ وإذا كان الجواب مثبتاً، فما المسوغ الشرعي لذلك؟
ـ الرؤية الأولى: أن الإمام يعلم باستشهاده على نحو الإجمال، دون التفاصيل، فهو لم يكن يعلم بالزمان الدقيق لاستشهاده، ولم يعلم بدءً أنه سيُمنع من الوصول إلى الكوفة، وأنه بالتالي سيتوجه إلى كربلاء، وسيستشهد فيها.. بل إنه خرج إلى العراق ليحقق نصراً ميدانياً من خلال السيطرة على الكوفة وإعلان قيام دولته، إلا أن غدر القوم وتبدّل الأمور تدريجياً حال دون ذلك، واضطرته الظروف لاختيار المواجهة بتلك الصورة غير المتكافئة في يوم العاشر من محرم.
ـ وتبرز هنا أسماء رنانة من علمائنا المتفدمين الذين تبنوا هذا الرأي الذي اضمحل القائلون به الآن إلى درجة كبيرة. وممن تبنى هذا الرأي الشيخ المفيد والسيد المرتضى وشيخ الطائفة الطوسي والطبرسي. ولهم أدلتهم النصية والعقلية.
ـ ويضيف أصحاب هذا الرأي من المعاصرين نقاطاً أخرى، ومنها أن:
1ـ ترحيب الإمام الحسين بدعوة أهل الكوفة له، وإرساله ابن عمه مسلم بن عقيل بوصفه سفيراً له بغية التمهيد للثورة، والوقوف على حقيقة الأمر، دليل على أنه كان ماضٍ في الثورة والسعي للحكم.
2. عدم تحرك الإمام الحسين عليه السلام نحو الكوفة إلا بعد وصول كتاب مسلم يخبره بتوفّر الأرضية المناسبة للثورة وإقامة الحكم، ولو أنه كان ماضٍ للشهادة فقط لما انتظر ذلك.
ـ وسأستعرض في الليلة المقبلة الرأي الآخر ومقوِّماته، ثم سأعلِّق بإذن الله مختتماً البحث.
ـ روى الشيخ الصدوق في خصاله عن الإمام زين العابدين(ع) قوله: (رحم الله العباس ـ يعني ابن علي ـ فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى لمنزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه مع ما رويته في فضائل العباس بن علي(ع) في كتاب مقتل الحسين بن علي(ع)). وللأسف يبدو أن التتمة مفقودة.
ـ وفي حديث آخر رواه ابن عنبة في كتابه (عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب) عن الإمام الصادق(ع) وهو يتحدث عنه: (كان عمنا العباس بن علي نافذَ البصيرة صلبَ الإيمان، جاهد مع أبي
عبدالله عليه السلام، وأبلى بلاء حسناً، ومضى شهيداً).
ـ نعم هكذا كان العباس البطل الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، وجاء في الإرشاد للشيخ المفيد في أحداث ليلة عاشوراء: (وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين عليه السلام فقال: أين بنو أختنا؟) وفي نص اللهوف للسيد ابن طاوس أنهم امتنعوا عن الرد عليه فقال لهم الحسين عليه السلام: (أجيبوه، وإن كان فاسقاً، فإنه بعض أخوالكم)، (فخرج إليه العباس وجعفر وعثمان بنو علي بن أبي طالب عليه وعليهم السلام فقالوا: ما تريد؟ فقال: أنتم يا بني أختي آمنون، فقالت له الفتية: لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟). وعندما أحلّ الحسين البيعة لأهل بيته وأصحابه، وقف العباس وقال: (أنبقى بعدك يا بن رسول الله، لا والله، حتى نجاهد بين يديك).
ـ لقد كان العباس(ع) يمثِّل بطولة الإسلام بوعيه وإخلاصه، وكان يمثل في عاشوراء القائد الذي كان يقود جيش الإمام الحسين(ع). ولذلك، فإن علينا أن لا نتحدث عن بطولة العباس القتالية فقط، ولكن أن نتحدّث عن بطولته الروحية والإيمانية، إضافة إلى بطولته الجهادية، ليكون العباس قدوة لشبابنا في مواجهة الباطل والاستكبار والظلم. لقد جاهد العباس مع أبي عبد الله(ع)، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.