ليالي عاشوراء 1434 هـ مع الشيخ علي حسن ـ الليلة السادسة


ـ بيّنت في الليلة الماضية جوانب من البحث حول مدى علم النبي(ص) والإمام(ع)، والآن أقدّم نموذجاً عملياً لكيفية الاستفادة من القواعد التي قررناها خلال الليالي الماضية في تقييم مثل الخبر التالي الوارد في أصول الكافي تحت باب (أن الأئمة(ع) يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشئ صلوات الله عليهم) وفيه ستة أحاديث: (عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن المغيرة، وعدة من أصحابنا منهم عبدالأعلى وأبوعبيدة وعبدالله بن بشر ـ ذكره السيد الخوئي بشير ـ الخثعمي سمعوا أبا عبدالله عليه السلام يقول: إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون، قال: ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه، فقال: علمتُ ذلك من كتاب الله عزوجل، إن الله عزوجل يقول فيه تبيان كل شئ).
ـ أولاً بغض النظر عن السند والذي فيه محمد بن سنان والذي عبّر عنه بأنه: (رجل ضعيف جداً لا يعوّل عليه) وأن الفضل بن شاذان قال عنه: (لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان). وذكر الكشي أنّ: (محمّد بن سنان غالٍ من أركان الغُلاة) وذكر الشيخ المفيد في الرسالة العددية أنّ: (محمّد بن سنان مطعون فيه، لايختلف العصابة في تهمته وضعفه ، ومن كان هذا سبيلَه لم يُعتمد عليه في الدين) .
فإننا نعرض متن الحديث على مجموع ما جاء في القرآن الكريم من علاقة النبي ـ وبالتالي الإمام ـ بعلم الغيب، فنقول:
1ـ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ، قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأعراف:187-188.
2ـ (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) هود:49.
3ـ (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) الأحقاف:9.
4ـ (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)التوبة:101.
5ـ (قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ) الأنعام/50.
6ـ (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ
مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الشورى:52.
7ـ (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا، عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) الجن:25-28.
8ـ (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) الأحزاب:63.
ـ وهذه أيضاً كانت تأكيدات الأنبياء من قبل كنوح(ع) في الحياة الدنيا: (وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) هود:31.
ـ وفي الآخرة: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) المائدة:109.
ـ (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). المائدة:116ـ117.
ـ وللمحقق المعاصر السيد هاشم معروف الحسني (ت1403هـ له أكثر من عشرين مؤلفاً قيماً من
أشهرها سيرة المصطفى، سيرة الأئمة الاثني عشر، أصول التشيع، الموضوعات في الآثار والأخبار، بين التشيع والتصوف، دراسات في الحديث والمحدِّثين) استدلال لطيف في كتابه الأخير حيث قال: (ومن خلال دعواته وابتهالاته إلى الله سبحانه عندما يناجي ربه، أو تعترضه الحوادث وتهزه النكبات، من خلال تلك الدعوات يبدو الامام على عظمته ويقينه واتساع علمه وكأنه من أضعف خلق الله يخاطب ربه خطاب عبد ذليل قد انقطع أمله من كل شئ لا يستطيع ان يدفع عن نفسه ضرا ولا يجلب لها خيرا. فقد روى في الكافي أن الإمام الصادق(ع) كان يقول في دعائه: [اللهم آمن خوفي وعافني فيما بقي من عمري، وثبت حجتي، واغفر خطاياي، واعصمني في ديني، وسهل مطلبي، ووسع علي في رزقي فاني ضعيف، وهب لي يا الهي لحظة من لحظاتك لكشف بها عني جميع ما به ابتليتني، فقد ضعفت قوتي وقلت حيلتي، وانقطع من خلقك رجائي، ولم يبق الا رجاؤك وتوكلي عليك، وقدرتك علي يا ربي ان ترحمني كقدرتك علي ان تعذبي وتبتليني، إلهي لم أخل من نعمك منذ خلقتني وأنت ربي ومفزعي وملجئي، والحافظ لي والذاب عني، فليكن يا سيدي ومولاي فيما قضيت وقدرت وحتمت تعجيل خلاصي
مما أنا فيه جميعه ، فاني لا أجد لدفع ذلك كله أحدا غيرك ، ولا اعتمد فيه الا عليك]. هذه الدعوات
والابتهالات التي تنبض بالإيمان المطلق والعبودية الخالصة، والحاجة إليه في صغير الأمور وكبيرها،
بالإضافة إلى بعض المرويات التي حدد فيها الإمام(ع) موقفه من الغلاة والمرجفين والدساسين، كل هذه وغيرها من مواقفهم (ع) لسد الطريق على كل من يحاول أن يجعل للإمام خصائص الخالق وميزة الأنبياء المرسلين، وتُحتِّم علينا تأويل بعض المرويات التي تَنسب له علم الغيب والقدرة على كل شئ ونحو ذلك مما يعجز عنه الانسان بالغاً ما بلغ. لا بد من تأويل تلك المرويات حيث يكون التأويل ممكناً، أو طرحها، لا سيما وأن أكثر رواتها لم تتوفر فيهم الشروط المطلوبة في الراوي).
ـ ومما يؤكد ذات المضمون التوقيع الصادر عن الإمام الحجة (ع) عن طريق النائب الثالث الحسين بن روح النوبختي، جواباً لكتاب كُتب إليه على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي وفق ما جاء في الاحتجاج للطبرسي: (يا محمد بن علي، تعالى الله عزّ وجلّ عمّا يصفون، سبحانه وبحمده، ليس نحن شركاءه في علمه ولا في قدرته، بل لا يعلم الغيبَ غيرُه كما قال في محكم كتابه تبارك وتعالى: (قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ)، وأنا وجميع آبائي من الأولين: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيين، ومن الآخرين: محمد رسول الله وعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين، إلى مبْلغ أيامي ومنتهى عصري عَبيدُ الله عزّ وجلّ، يقول الله عزّ وجل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى). يا محمد بن علي، قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، و مَن دينُه جناحُ البعوضة أرجحُ منه. وأُشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى به شهيداً، ومحمداً رسولَه، وملائكتَه وأنبياءَه وأولياءَه، وأُشهِدك وأُشهِد كل مَن سمع كتابي هذا، أني برئٌ إلى الله وإلى رسوله ممن يقول إنا نعلم الغيب، أو نشاركُ الله في مُلكه، أو يُحلُّنا محلاً سوى المحل الذي نصبه الله لنا وخلَقَنا له، أو يتعدّى بنا عمّا قد فسَّرْتُه لك وبينتهُ في صدر كتابي .وأُشهدكم أنّ كل من نتبرأ منه، فإنّ الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه، وجعلتُ هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانةً في عنقك وعنق مَن سمعه، أن لا يكتمه من أحد من مواليّ وشيعتي حتى يظهر على هذا التوقيع الكل من الموالي، لعلّ الله عزّ وجلّ يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحقّ، وينتهون عمّا لا يعلمون منتهى أمره، ولا يُبلَغ منتهاه. فكلّ مَن فهم كتابي ولم يرجع إلى ما قد أمرتُه ونهيتُه، فلقد حلّت عليه اللعنة من الله، وممن ذكرتُ من عباده الصالحين).
ـ وخلاصة القول أن الدليل القرآني الذي هو المرجع في تكوين العقيدة والمعرفة الإسلامية يفيد بأن علم الغيب خاص بالله، وأن الله يؤتي من يشاء من عباده علماً، بما في ذلك جانباً من أنباء الغيب من الماضي
والمستقبل، على أن تكون الهداية هي الأساس فيما يؤتَونه من علوم بإرادة الله سبحانه.