ليالي عاشوراء 1434 هـ مع الشيخ علي حسن ـ الليلة الرابعة


ـ هل هناك خلط بين المسائل العقدية وبين مسائل الفروع العلمية الأخرى كالفقه والتأريخ؟ وإن كان الجواب مثبتاً فكيف نفرق بينها؟
ـ من المؤكد لكل باحث متأمل في الموضوعات العقدية وجود مثل هذا الخلط أو المزج بموضوعات فقهية، فالسجود على التربة مثلاً مسألة شرعية، إلا أنها تعرض في أحايين كثيرة من زاوية عقدية، وبالتالي تُبحث ضمن العقديات في المؤلفات والمحاضرات كما لا يخفى. وهكذا الأمر بالنسبة إلى المسح على الخفين، ونداء حي على خير العمل في الأذان، والتكفير في الصلاة، والنكاح المؤقت، وحج التمتع.
ـ أما بالنسبة إلى التأريخ فإننا نجد له تأثيراً على المسائل العقدية. ويمكن أن نضرب على ذلك مثال الاعتقاد بالأنبياء السابقين لنبينا محمد(ص)، فلو غضضنا الطرف عن قصص القرآن، فسنجد أن الاعتقاد ببعضهم أو ببعض أحوالهم نابع من التاريخ، بمعنى أن التاريخ كان الوسيلة للاعتقاد بوجود هذا النبي أو ذاك، أو بحصول معجزة ما على يديه وهكذا.
ـ وكمثال على ذلك أنك عندما تعود إلى مصادر التاريخ تجد أنها تذكر نبياًَ اسمه خالد بن سنان وهو
مضري عبسي، عاش في زمن الفترة، بل وأن نبينا (ص) استقبل ابنته كما عن ابن عبّاس قال: (جاءت بنت خالد بن سنان إلى النبيّ (ص) فبسط لها ثوبه وقال: بنت نبي ضيّعه قومه) وأنها سمعت النبي يقرأ
سورة الإخلاص فقالت: (كان أبي يقرأ هكذا). وله في الجزائر مرقد بمنطقة تعرف بسيدي خالد.
ـ ومن خلال ما سبق تكون معتقد عند عدد من علماء السنة والشيعة بنبوته، وفصّلوا الحديث حول شريعته كما قال القاضي الديار بكري: (كان يدعو إلى النصرانيّة مستمسكاّ بمنهاج عيسى(ع) وشريعته، داعياً إلى دينه، كما كان مبشرًا برسول الله وبعثه عليه الصلاة والسلام). وأما معجزته بحسبهم فتتمثل في إطفاء بركانين (نار الحرتين التي ظهرت في بني عبس ببلاد العرب، وإن ضوءها كان يظهر من مسيرة ثلاثة أيّام [130كم تقريبا] فافتتن بها العرب حتى كادوا يتمجسون فبعث الله خالدًا فأطفأها والنّاس من حولها ينظرون).
ـ فهل يمكن السماح لمثل هذا التأثير أم نمنعه؟ وهل من حدود يجب أن توضع للفصل بين الأمرين؟ وهل هذا ممكن؟
ـ مثل هذا التأثير سمح لإحداث نوع من التداخل والخلط بين ما هو من العقيدة وما هو من التأريخ، ولدينا أمثلة عديدة يقع النزاع في كونها من القضايا العقدية أم التاريخية، من قبيل: هل كانت للنبي(ص) معاجز سوى القرآن الكريم؟ وما هي؟ مسألة أنه لا يَدفن الإمام إلا الإمام، الظلامات الواقعة على أهل البيت(ع)، وغير ذلك.. ومنها القضية التي أثارت كل هذا البحث وهي: هل يعرف الإمام موعد وفاته؟
ـ فبين أيدينا مجموعة من الأخبار تحدثت عن أن الأئمة عرفوا مواعيد وفياتهم، وأنهم أخبروا بعض الناس عن ذلك، فهل نُبقي هذا الأمر في دائرة التاريخ، أم نستطيع بذلك تحويلها إلى مفردة عقدية؟
ـ وتتضح أهمية البحث لأن جزء من التراشق بتهمة الخروج من المذهب أوالإسلام أو الانتقاص من العقيدة ينشأ من هذا الخلط والامتزاج بين ما هو فقهي وما هو عقدي وبين ما هو تاريخي وما هو عقدي.
ـ لاحظ ما جاء في موقع (إسلام ويب) حيث سئل المحرر: ما الفرق بين المسائل العلمية والاعتقادية؟ فكان الجواب (ولعله من الشيخ ناصر العقل): (المسائل العلمية هي التي يرد فيها الخلاف، ويكون الخلاف فيها جارياً بين أهل السنة أنفسهم، ويسع فيها الخلاف، حيث تتنازع فيها الأقوال، وكل معه دليل أو وجه من الاستدلال، فهذه المسائل الخلافية تسمى مسائل الخلاف، أما مسائل الاعتقاد فهي التي يتفق عليها السلف أو جمهور السلف، فتعتبر مسألة عقدية حتى وإن كانت في الأحكام، فهي داخلة في العقائد ولو كانت من صنف الأحكام، كمسألة مسح الخفين أو غسل الرجلين، فهذه مسائل فقهية صارت من العقائد؛ لأن هناك من أهل الأهواء من خالف فيها النصوص مخالفة صريحة).
ـ وهذا ما جرى للشيخ (صالحي نجف آبادي) الذي كانت له وجهة نظر ضمَّنها كتابه (شهيد جاويد) تتلخص في أن الإمام الحسين لم يكن يعرف أنه سيقتل في كربلاء، فهل يكون بذلك متخلياً عن مفردة
عقدية أم عن حدث تاريخي؟ فعلى الأول تكون عقيدته ناقصة، وعلى الثاني لا علاقة للأمر بالعقيدة.
ـ بنيوياً، يمكن القول أن:
1ـ اعتماد القاعدة التي تحدثنا عنها بالأمس بخصوص تكوين العقيدة من خلال خبر الواحد.
2ـ تحديد موضوعات كل علم على حدة.
أن يساعدا كثيراً في تمييز ما هو من مسائل العقيدة وما هو خارج نطاقها.
ـ ففي علم العقيدة يقولون أن كل مسألة تنتمي إلى دائرة: (ما يجب عقد القلب عليه والالتزام والإيمان به) فهي من المفردات العقدية.فالتوحيد، بالنسبة إلى المسلم، قضية عقدية، فعندما تثبت عنده لابد وأن يعقد القلب عليها ويؤمن ويلتزم بها. وهكذا بالنسبة إلى أصل الإيمان بالنبوة، وباليوم الآخر.. إلخ.
ـ وفي المقابل فإن أية قضية لا دليل على اندراجها ضمن ما يجب الالتزام به وعقد القلب عليه فستخرج بالتالي عن الدائرة العقدية، حتى لو بحثها علماء الكلام في دراساتهم.
ـ فالسجود على الأرض ونباته مثلاً ليس من القضايا التي يجب عقد القلب عليها، بل هي خاضعة للبحث والدليل الفقهي، وبالتالي لو توصل فقيه إمامي ـ مثلاً ـ إلى عدم وجوب السجود عليها، فلن يكون قد تعرض لمسألة عقدية، ولا شأن لذلك في كمال عقيدته الإمامية ونقصها.
ـ ولكن تبرز مشكلة أخرى وهي من يحدد القضايا التي يجب عقد القلب عليها لتكون موضوعاً عقدياً؟ ويبدو أن القضية تحتاج إلى شئ من التنضيج، ولربما هي بحاجة إلى مؤتمرات بحثية متخصصة.
ـ والخلاصة أن التداخل في بعض المسائل متحقق عملياً، وأن جانباً من ذلك هو نتاج خلل بنيوي نظري بسبب عدم وجود أسس لتحديد المسائل العقدية وفق قواعد واضحة وصارمة، وعدم حسم مسألة التأثير المتبادل بين ما هو تاريخي وما هو عقدي.
ـ وما دامت المسألة غير محسومة بهذا الشكل فلابد من أن يتقي الإنسان ربه في إلقاء التهم على الباحثين في هذه الدائرة المشوَّشة.. لقد عاش الخوارج مشكلة التكفير بسبب مثل هذا الخلط، فهل سنكرر تجربتهم المرة التي عادت وما زالت تعود على المسلمين بالويلات؟