رائعة أمير المؤمنين علي الخطبة القاصعة - القسم السادس


وَعَنْ ذلِكَ مَا حَرَسَ اللهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ، وَمُجَاهَدَةِ الصِّيَامِ فِي الاَْيَّامِ الْمَفْرُوضَاتِ، تسْكِيناً لاََطْرَافِهِمْ، وَتَخْشِيعاً لاَِبْصَارِهمْ، وَتَذْلِيلاً لِنُفُوسِهِمْ، وَتَخْفِيضاً لِقُلُوبِهِمْ، وَاذْهَاباً لِلْخُيَلاَءِ عَنْهُمْ، لِما فِي ذلِكَ مِنْ تَعْفِيرِ عِتَاقِ الْوُجُوهِ بالتُّرَابِ تَوَاضُعاً، وَالْتِصَاقِ كَرَائِمِ الْجَوَارِحِ بِالاَْرْضِ تَصَاغُراً، وَلُحُوقِ الْبُطُونِ بِالمُتونِ مِنَ الصِّيَامِ تَذَلُّلاً، مَعَ مَا فِي الزَّكَاةِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ الاَْرْضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ الَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ.
انْظُرُوا الَى مَا فِي هذِهِ الاَْفْعَالِ مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ، وَقَدْعِ طَوَالِعِ الْكِبْرِ! وَلَقَدْ نَظَرْتُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَتَعَصَّبُ لِشَيْء مِنَ الاَْشْيَاءِ الاَّ عَنْ عِلَّة تَحْتَمِلُ تَمْوِيهَ الْجُهَلاَءِ، أَوْ حُجَّة تَلِيطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ غَيْرَكُمْ، فَانَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لاَِمْر مَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَلاَ عِلَّةٌ.
أَمَّا ابْلِيسُ فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لاَِصْلِهِ، وَطَعَنَ عَلَيْهِ فِي خِلْقَتِهِ، فَقَالَ: أَنَا نَارِيٌّ وَأَنْتَ طِينِيٌّ.وَأَمَّا الاَْغْنِيَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ الاُْمَمِ، فَتَعَصَّبُوا لاِثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ، فَـ {قَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} فَانْ كَانَ لابد مِنَ الْعَصَبِيَّةِ، فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُهُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ، وَمَحَامِدِ الاَْفْعَالِ، وَمَحَاسِنِ الاُْمُورِ، الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْمُجَدَاءُ وَالنُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ وَيَعَاسِيبِ الْقَبَائِلِ، بِالاَْخْلاَقِ الرَّغِيبَةِ، وَالاَْحْلاَمِ الْعَظِيمَةِ، وَالاَْخْطَارِ الْجَلِيلَةِ، وَالاْثَارِ الَمحْمُودَةِ.
فَتَعَصَّبُوا لِخِلاَلِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ، وَالْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ، وَالطَّاعَةِ لِلْبِرِّ، وَالْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ، وَالاَْخْذِ بِالْفَضْلِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْبَغْيِ، وَالاِْعْظَامِ لِلْقَتْلِ، وَالاِْنْصَافِ لِلْخَلْقِ، وَالْكَظْمِ لِلْغَيْظِ، وَاجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِي الاْرْضِ.