خصال محمودة


روى الشريف الرضي رحمه الله في نهج البلاغة مقطعاً من خطبة أو كلمة لأمير المؤمنين علي عليه السلام يمتدح فيها من يجمع الخصال التالية، قال: رَحِمَ اللهُ عَبْداً:

-1 سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى.
والحكم: الحِكْمة، قال الله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}(مريم:12)، وما أكثر الذين يبحثون عن الاثارة وسفاسف الأمور، أما اذا قُدِّمت اليه الحكمة بما تنفع حياته أصم مسامعه، أو تعامل معها باستخفاف، بينما الانسان العاقل يعتبر وصول الحكمة اليه نعمة من نعم الله، لأن الحكمة ضالته.
-2 وَدُعِيَ الَى رَشَاد فَدَنَا.
اما لكي يكون مشاركاً في أمر الخير هذا، أو ليستفيد من هذه التجربة، أو ليثريها من خبراته وقدراته.
-3 وَأَخَذَ بِحُجْزَةِ هَاد فَنَجَا.
والحجزة: معقد الازار، والمراد الاقتداء والتمسك، فهو لا يتكبر على أحد مهما بلغ، وقد قدّم لنا القرآن نموذج نبي من أولي العزم هو موسى الكليم عليه السلام وقد أخذ بحُجزة العبد الصالح طالباً منه ان يعلمه مما علمه الله رشداً.
-4 رَاقَبَ رَبِّهُ، وَخَافَ ذَنْبَهُ.
وقيمة المراقبة أنها تقدّم للانسان جردة حساب متواصلة يصحح من خلالها مسيرته في الحياة، فاذا وجد من خلال ذلك أنه ارتكب ذنباً خاف خوفاً ايجابياً يدفعه الى التوبة.
-5 قَدَّمَ خَالِصاً.
فليس هو بالمرائي، لأنه يعلم ان الرياء محبط للعمل، وموجب للعقاب، وليس هو بطالب دنيا من خلال عمل الخير، لأنه يؤمن ان ما كان للدنيا لم يكن له وزن في الآخرة.
-6 وَعَمِلَ صَالِحاً.
فالعمل الصالح هو قسيم الايمان، ومن دونه لا يكون الايمان حقيقياً، وقد قال تعالى {وَالْعَصْرِ، ان الانسَانَ لَفِي خُسْرٍ، الاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
-7 اكْتَسَبَ مَذْخُوراً، وَاجْتَنَبَ مَحْذُوراً.
فهو يسعى في العمل الصالح بكل طاقته لينال العطاء الالهي المذخور له في الدارين، ويجتنب ما حذّرت منه الرسل اجتناباً لغضب الله.
-8 رَمَى غَرَضاً، وَأَحْرَزَ عِوَضاً.
وبذلك أصاب الهدف ونال الجائزة الالهية.
-9 كابَرَ هَوَاهُ، وَكَذَّبَ مُناهُ.
أي تصارع مع هوى نفسه، كما لم يستسلم للأماني التي تربط الانسان بهذه الحياة فقط وتُنسيه آخرته، لأنه يعلم ان هذه الأماني كاذبة لن توصله الى حقيقة الهدف من خلقته، بل ولربما دفعته الى المعصية استجابة لأهوائه وشهواته التي لا تقف عند حد.
-10 جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِه.
هو بحاجة ماسة الى الصبر لأنه السير في هذا الطريق لا يخلو من معاناة، معاناة في مواجهة الشهوات والمعاصي، ومعاناة في مواجهة الظلم والباطل، ومعاناة في انجاز العمل الصالح..
-11 والتَّقْوَى عُدَّةَ وَفَاتِهِ.
فهو يؤمن بالدار الآخرة التي تمثل الحياة الحقيقية التي تنتظره، ولن تكون مهيأة له الا بالتقوى: {ان المتقين في جنات وعيون} الحجر:45.
-12 رَكِبَ الطَّرِيقَةَ الْغَرَّاءَ، وَلَزِمَ الَمحَجَّةَ الْبَيْضَاءَ.
فهو الباحث عن حسن العاقبة، لا في طريق الباطل ولا في طريق الشبهات، بل في طريق الحق الصريح الواضح.
-13 اغْتَنَمَ الْمَهَلَ.
فهو يعلم ان الفرص تمر مر السحاب، وأن الانسان محاسَب على عمره.
-14 وَبَادَرَ الأجَلَ.
فلم يؤجِّل عمل الخير، لأنه ينتظر الموت في أية لحظة.
-15 وَتَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَلِ.

وهذه هي النتيجة الطبيعية لمن يستيقن ان الموت يفاجئ الانسان، وأن بعد الموت حياة أخرى، وأن لا مجال للتأجيل: {حَتَّى اذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ انَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ الَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فاذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ، فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} المؤمنون:99-103.