تجاربي مع المنبر - الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

هناك وعاءان لا ثالث لهما يمكن ان نضع الحسين عليه السلام في أحدهما في حدود اختيارنا: الوعاء الأول وعاء الارتزاق ولهذا الوعاء مواصفات معروفة لا تخرج بواقعة الطف عن صورة ذليلة ونساء حاسرة ومواقف لا مكان للرجولة فيها ولا ملامح للأهداف وانّما كل ما فيها نساء يندبن أجساداً ممزقة ويتامى يستبدّ بهم الرعب ومجموعة من القتلة تمثّل بالأجساد وتعبير عن ذلك كلّه بألفاظ لا تناسب مكانة الشهادة والشهداء.ولست أريد ان أنفي وقوع هذه الصور المأساوية فقد وقعت بالفعل ولكنّها وقعت لتسفر عن نتائج معينة هي ثمرة التضحية فهي تمثّل جانباً من الصورة لا ينبغي ان يستبدّ بالصورة كلّها وتحاط بمبالغات تذهب بالملامح الصحيحة المعبّرة والتي تدين الأمويين وتفضح نواياهم..
أمّا الوعاء الثاني الذي يفترض ان يوضع الحسين عليه السلام فيه فهو وعاء الرسالة الذي يبتعد عن المزايدات والمبالغات ويستشف من وراء كلّ تحرّك وكلّ مفردة من مفردات واقعة الطف الهدف الكبير والسرّ الكامن، وفي الوقت ذاته استجلاء محتويات هذه الواقعة وتقديمها دروساً نستلهمها في مسيرة الحياة.ان الحياة الكريمة محتاجة دائماً لأن تستلهم مواقف رموزها وقادتها فانّ سيرة القادة طعام النفس الجائعة.
وهنا أقول: نحن نتطلّع الى المبلِّغ الواعي الذي يصنع المنبر المتزن فينبغي ان تتضافر جهود الدعاة والمبلغين كلّ حسب استطاعته لرسم تصوره عن أفضل السبل لصنع هذا المنبر المنشود.
ان المنبر مثله مثل بعض الأحكام التي تتغير بتغيّر موضوعاتها فلا تبقى أكثر مكوّناته ثابتة بل هي من نمط ما يتحرّك دائماً ويحتاج الى مواكبة وملاحقة وادارات ومناهج تلائم المستجدّات ما دمنا نفترض ان المنبر من حاجات الناس التي أصبحوا لا يستغنون عنها كما هو المشاهد، فينبغي اللحاق بها.
ان كلّ رأي من الآراء يكون أقرب الى الكمال اذا كان رأياً جماعياً ومن هنا جاءت أهمية الاستشارة التي قال عنها أميرالمؤمنين عليه السلام: (من شاور الرجال شاركها في عقولها)، الى غير ذلك من الأسباب التي تدعو الى تضافر الآراء وتعدد الرؤية فيما ينبغي ان يكون عليه المنبر في كلّ فترة من الفترات التي تمرّ بها الأجيال مثله مثل باقي شؤون الحياة المتحرّكة التي تحتاج الى ملاحقة بالتقويم وتحديد المناهج تبعاً للأزمنة.وأنا هنا أعتبر هذه السوانح دعوة الى اخواني بأن يساهموا بملاحظاتهم حول كلّ ما له علاقة بالمنبر لنضع لبنات قابلة للنمو في طريق خدمة المنبر حتى يكون قريباً الى الكمال المستطاع.