الحكمُ على التقاسيم والملامح الجسديّة

في الأمثال: (الكتابُ يُقرأُ من عنوانه)، فالكاتبُ عادةً يراعي في اختياره لعنوان مقاله أو كتابه أن يكون حاكياً ومعبِّراً وناطقاً عن مضمون وفحوى كتابه ومقاله، ولكن هل يصدق هذا دائماً على الإنسان؟
(ستالين) الدكتاتور الروسي لم يكن قبيحَ المنظر، لكنّنا نراهُ كذلك لأن أفعاله قبيحة، فنُسقط هذا (التصوّر) على تلك (الصورة) فيبدو ستالين في نظرنا قبيحاً، ثمّ إنّ المجرمين لكثرة ما يلِغون في دماء الناس، ويُسرفون في جرائمهم، يُمحَقُ بهاءُ الإنسانية من وجوههم، فتبقى قسماتُ الوجه لكنّ نُورَه يتلاشى!
الوجه صناعة الله.. خلقُ الله.. وليسَ لحسان الوجوه أن يفتخروا بمزية أو تفضيل رباني، أنّى ذلك ونحن نعلم أن الله تعالى لا ينظر إلى وجوهنا وأشكالنا يومَ القيامة، بل ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا!
إن الاكتفاء بالنظر إلى (محاسن الوجه) وعدم الانتقال أو الدخول إلى (محاسن النفس) يعني الرضا بالخديعة.
يقول (الشريف الرضيّ):
لا تجعلنّ دليلَ المرءِ صورتَهُ **** كم مخبرٍ سَمجٍ عن منظرٍ حَسنِ
وقال (حسّان بن ثابت):
لا بأسَ بالقومِ من طولٍ ومن عِظَم **** جسمُ البغالِ وأحلامُ العصافيرِ
وفي مثل هذا المعنى قال آخر:
لقد عظُمَ البعيرُ بغيرِ لُبٍّ **** فلم يستغني بالعِظمِ البعيرُ
وقال شاعرٌ يحذِّرُ من مغبّة الانخداع بالمظهر الخارجي والقياس عليه:
ما كلُّ أصفرَ دينارٌ لصُفرته **** صُفرُ العقاربِ أرداها وأنكرها
وحدّد آخرُ الموقفَ من النظر إلى الأجسام والهياكل الخارجية:
فما عِظَمُ الرجالِ لهم بفخرٍ **** ولكن فخرهم كرمٌ وخَيرُ
بُغاثُ الطير أكثرها فِراخاً **** وأمُّ الصقرِ مِقلاةٌ نزورُ
ضعافُ الطيرِ أطولها جسوماً **** ولم تطُل البزاةُ ولاالصقورُ