خطبة الجمعة 25 ذوالحجة 1433 ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : خصال عظيمة


ـ المقطع التالي من خطبة أمير المؤمنين(ع) يمتدح الإمام جامع الخصال التالية، قال: رَحِمَ اللهُ عَبْداً:
1ـ سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى: الحِكْمة، قال الله تعالى: (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(مريم:12)، وما أكثر الذين يبحثون عن الإثارة وسفاسف الأمور، أما إذا قُدِّمت إليه الحكمة بما تنفع حياته أصم مسامعه، أو تعامل معها باستخفاف، بينما الإنسان العاقل يعتبر وصول الحكمة إليه نعمة من نعم الله، لأن الحكمة ضالة المؤمن.
2ـ وَدُعِيَ إِلَى رَشَاد فَدَنَا: إما لكي يكون مشاركاً في أمر الرشاد والخير هذا، أو ليستفيد من هذه التجربة، أو ليثريها من خبراته وقدراته.
3ـ وَأَخَذَ بِحُجْزَةِ هَاد فَنَجَا: الحجزة: معقد الازار، والمراد الاقتداء والتمسك، فهو لا يتكبر على أحد مهما بلغ، وقد قدّم لنا القرآن نموذج نبي من أولي العزم هو موسى الكليم(ع) وقد أخذ بحُجزة العبد الصالح طالباً منه أن يعلمه مما علمه الله رشداً.
4ـ رَاقَبَ رَبِّهُ، وَخَافَ ذَنْبَهُ: وقيمة المراقبة أنها تقدّم للإنسان جردة حساب متواصلة يصحح من خلالها مسيرته في الحياة، فإذا وجد من خلال ذلك أنه ارتكب ذنباً خاف خوفاً إيجابياً يدفعه إلى التوبة.
5ـ قَدَّمَ خَالِصاً: فليس هو بالمرائي، لأنه يعلم أن الرياء محبط للعمل، وموجب للعقاب، وليس هو بطالب دنيا من خلال عمل الخير، لأنه يؤمن أن ما كان للدنيا لم يكن له وزن في الآخرة.
6ـ وَعَمِلَ صَالِحاً: فالعمل الصالح هو قسيم الإيمان، ومن دونه لا يكون الإيمان حقيقياً، وقد قال تعالى (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
7ـ (اكْتَسَبَ مَذْخُوراً، وَاجْتَنَبَ مَحْذُوراً) فهو يسعى في العمل الصالح بكل طاقته لينال العطاء الإلهي المذخور له في الدارين، ويجتنب ما حذّرت منه الرسل اجتناباً لغضب الله.
8ـ (رَمَى غَرَضاً، وَأَحْرَزَ عِوَضاً) فهو الذي أصاب الهدف ونال الجائزة الإلهية.
9ـ (كابَرَ هَوَاهُ، وَكَذَّبَ مُناهُ) أي تصارع مع هوى نفسه، ولم يستسلم للأماني التي تربط الإنسان بهذه الحياة فقط وتُنسيه آخرته، لأنه يعلم أن هذه الأماني كاذبة لن توصله إلى حقيقة الهدف من خلقته، بل ولربما دفعته إلى المعصية استجابة لأهوائه وشهواته التي لا تقف عند حد.
10ـ (جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِه) فالسير في هذا الطريق لا يخلو من معاناة، معاناة في مواجهة الشهوات والمعاصي، ومعاناة في مواجهة الظلم والباطل، ومعاناة في إنجاز العمل الصالح.
11ـ (والتَّقْوَى عُدَّةَ وَفَاتِهِ) فهو يؤمن بالدار الآخرة التي تمثل الحياة الحقيقية التي تنتظره، ولن تكون مهيأة له إلا بالتقوى: (إن المتقين في جنات وعيون) الحجر:45.
12ـ (رَكِبَ الطَّرِيقَةَ الْغَرَّاءَ، وَلَزِمَ الَْمحَجَّةَ الْبَيْضَاءَ) فهو الباحث عن حسن العاقبة.
13ـ (اغْتَنَمَ الْمَهَلَ) فهو يعلم أن الفرص تمر مر السحاب، وأن الإنسان محاسَب على عمره.
14ـ (وَبَادَرَ الأجَلَ) فلم يؤجِّل عمل الخير، لأنه ينتظر الموت في أية لحظة.
15ـ (وَتَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَلِ) وهذه هي النتيجة الطبيعية لمن يستيقن أن الموت يفاجئ الإنسان، وأن بعد الموت حياة أخرى، وأن لا مجال للتأجيل: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ، فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) المؤمنون:99-103.
ـ نسال الله تعالى أن يوفقنا لنكون من جامعي هذه الخصال التي ترحّم أمير المؤمنين(ع) على صاحبها.