العطاء عند الإمام محمد الباقر -

المطلوب في حركة الناس مع رموز العقيدة الاسلاميّة هو ان يعيشوا فكرهم كلَّه، لا ان يبقوا عندنا مجرّد فرحة نطلقها في مولد هنا، وحزنٍ في وفاة هناك، لأنّهم حدّثونا عن الاسلام في عقائده، فينبغي ان تكون أحاديثهم أحاديث العقيدة عندنا، وحدّثونا عن الاسلام في شرائعه، فلابد ان تكون أحاديثهم هي أحاديث الشرائع عندنا، وحدّثونا عن الاسلام في أخلاقه، فلابد ان تكون أحاديثهم أحاديث الأخلاق عندنا، وذلك كي يكونوا حاضرين معنا حضور الاسلام الذي جاهدوا من أجله في المجالات كلِّها، وكي لا يكونوا مجرّد شخصيات في التاريخ نحترمها، بل ان يكونوا شخصيّات الحياة المتحرّكة مع كلِّ جيل يتبعها.

رعاية الفقراء:
وعند الحديث عن خامس أئمة أهل البيت محمد بن علي الباقر عليه السلام نستحضر توجيهاته الى القضايا الاجتماعية المتصلة برعاية البيوت الفقيرة، وباحتضان المحرومين من النّاس، اذ كان يعتبر أنَّها قد تكون أفضل من العبادة المستحبّة، فقد جاء في ما رواه الكليني عنه في كتابه الكافي أنَّه قال: (لئن أعول أهلَ بيت من المسلمين أسدُّ جوعتهم وأكسو عورتهم وأكفُّ وجوههم عن النّاس، أحبُّ الى من ان أحجَّ حجّة وحجّة وحجّة ومثلها حتى بلغ عشرة، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين حجّة).
لو دار الأمر بين ان يصرف المسلم ماله في اعالة بيت من بيوت المسلمين الفقراء، وبين ان يصرفه في سبعين حجّة مستحبّة، فانّه يرى ان صرفه على اعالة هذا البيت الفقير أفضل من سبعين حجّة.ومن هنا نستوحي ان المسألة الاجتماعية في الاسلام في ما نرعى فيه الفقراء والمستضعفين ونقف الى جانبهم، تتفوّق على مستحبّات العبادة.

قضاء الحوائج:
ويتحدّث الامام الباقر عليه السلام عن قضاء حوائج المسلمين بعضهم لبعض، فيروي: (أوحى الله الى موسى عليه السلام: ان من عبادي مَنْ يتقرّب اليّ بالحسنة فأحكّمه في الجنّة يدخل الجنّة أي ان يأخذ حريته في اختيار موقعه ودرجته قال: وما تلك الحسنة؟ قال: يمشي مع أخيه المؤمن في قضاء حاجته، قُضيت أو لم تُقضَ).
وعن مواساته للفقراء والمحتاجين نقرأ ما ذكره أحد أصحابه قال: (شكوتُ الى أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام الحاجة وجفاءَ الاخوان، فقال: بئس الأخُ أخٌ يرعاك غنيّاً ويقطعك فقيراً. ثم أمر غلامه فأخرج كيساً فيه سبعمائة درهم وقال: ستنفق هذه فاذا نفدت فأعلمني).
وعن عمرو بن دينار وعبدالله بن عُبيد بن عُمير أنَّهما قالا: (ما لقينا أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام الا وقد حمل الينا النفقة والصِّلة والكِسوة، ويقول: هذه مُعَدَّةٌ لكم قبل ان تَلْقَوْني). وروى سليمان بن قرم، قال: (كان أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام يُجيزُنا بالخمسمائة درهم الى الستمائة الى الألف، وكان لا يملُّ من صلة اخوانه وقاصديه ومؤمّليه وراجيه).