خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول دور القرآن في تصحيح المفاهيم وأهمية شهر شعبان ج 1


ألقيت الخطبة في 1 أغسطس 2008

شعبان شهري، من صامَ يوماً من شهري وجبت له الجنّة.. بهذه الكلمات كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يشجع أمته إلى الاهتمام بشهر شعبان الذي تعود تسميته ـ على ما قيل ـ إلى نحو عام 412 م في عهد كلاب بن مرة الجد الخامس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

سبب التسمية

اختلف الباحثون في سبب تسمية العرب لهذا الشهر بهذا الاسم، وهذه بعض الآراء:
1ـ لتشعّب الناس بحثاً عن الكلأ والمرعى بعد قعودهم عن القتال في رجب، باعتباره من الأشهر الحرم.
2ـ لتفرقهم وتشعبهم في طلب المياه.
3ـ تشعّب الأغصان فيه.
4ـ لأنه شَعَب، أي ظهر من بين شهري رمضان ورجب. ولما كانت العرب تنسأ (تؤجِّل) الأشهر الحُرُم، فقد كانت تُدخل رجب في شعبان ويطلقون عليهما الرجبان.

أسماؤه

كانت ثمود تسمي شعبان بـ (مَوهاء)، وقد نظم أبو سهل عيسى بن يحيى هذه الشهور مبتدئاً بموجب، وهو شهر محرَّم فقال:
شُهُورُ ثمود مُوجبٌ ثم مُوجرُ
ومُورد يتلو مُلزماً ثم مُصدرُ
وهَوبر يأتي ثم يدخل هَوبلُ
وموهاء قد يقفوهما ثم ديمرُ
ودابر يمضي ثم يُقبل حيفلُ
ومُسبلُ حتى تم فيهن أشهرُ
ومن الأسماء التي أُطلقت عليه قبل مجيء الإسلام بزمن طويل واستعملته العرب العاربة (عادل)، ولربما سمي كذلك لأنهم كانوا يعدلون به رجب في النسئ. وقد ورد اسم عادل فيما نظمه الصاحب بن عباد لإحدى السلاسل التي كانت تطلق على الشهور في الجاهلية فقال:
أردت شـهور العرب في الجاهلية
فخذها على سَرْد المُحَرَّم تشترك
فمُـؤْتَرٌ يـأتي ومن بعدُ نـاجر
وخَوّان مع صُوان يجمع في شرك
حنـين وزبـّا والأصَمّ وعـادل
ونـافِق مع وَغْـل ورنَّة مع بُرك
ومن الأسماء الأخرى التي أطلقتها عليه العرب العاربة اسم (كُسع). ويقال كَسَعه بكذا إذا جعله تابعاً. ومن أسمائه الأخرى التي ذكرها البيروني: (واغلة )، والواغل هو الداخل على شراب ولم يُدع إليه، وذلك لهجومه على شهر رمضان.

فضله

وإذا كان العرب قد ربطوا هذا الشهر بشؤون حياتهم من زراعة ورعي وغزو وملذات، فقد سعى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى إضفاء بُعد معنوي راق لهذا الشهر، فنسبه إلى نفسه الكريمة، وأبدى فيه اهتماماً خاصاً بالعبادات وأعمال البِر والاستعداد لشهر الله العظيم شهر رمضان المبارك، كما اعتبر أن الخير فيه هو أساس تسميته، سواءً أكان خيراً مادياً كالماء والكلأ، أو معنوياً كالثواب الجزيل والهبات الرحمانية، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (شهر شعبان تشعّب فيه الخيرات).

من أعمال شعبان

وفي الأخبار أنه كان صلى الله عليه وآله وسلم يصوم هذا الشّهر ويوصل صيامه بشهر رمضان، وروي عن الإمام جعفر الصّادق عليه السلام أنّه قال: (كان السّجاد ـ أي الإمام علي بن الحسين ـ عليه السلام إذا دخل شعبان جمع أصحابه وقال: يا أصحابي، أتدرون ما هذا الشّهر؟ هذا شهر شعبان، وكان النّبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: شعبان شهري. فصوموا هذا الشّهر حُبّاً لنبيّكم وتقرّباً إلى ربّكم، أقسم بمن نفسي بيده لقد سمعت أبي الحسين عليه السلام يقول: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من صام شعبان حُبّاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقرّباً إلى الله، أحبّه الله وقرّبه إلى كرامته يوم القيامة وأوجب له الجنّة.
وعن الإمام جعفر الصّادق عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رأى هلال شعبان أمر منادياً ينادي في المدينة: (يا أهل يثرب، إنّي رسولُ رسولِ الله إليكم، ألا إنّ شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري). ثمّ قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: (ما فاتني صوم شعبان منذ سمعت منادي رسول الله عليه السلام ينادي في شعبان، ولن يفوتني أيّام حياتي صوم شعبان إن شاء الله تعالى، ثمّ كان عليه السلام يقول: صوم شهرين متتابعين توبة من الله.
وقد ورد ـ في خصوص هذا الشهر ـ بالإضافة إلى الصيام الحث على الإكثار من الاستغفار والصلاة على محمد وآله
من مناسبات هذا الشهر:
وفي هذا الشهر المبارك تتوالى الذكريات التي تربط الماضي بالحاضر، فتعطي للمؤمنين شعوراً بالامتداد في الزمن، وقوةً في الانتماء، ودافعيةً لتجديد روح العطاء. ومن بين أهم تلك المناسبات:
1ـ مولد سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام في الثالث من شعبان عام 4 للهجرة.
2ـ مولد أخيه قمر بني هاشم أبي الفضل العباس بن علي عليه السلام في الرابع من شعبان عام 26 للهجرة.
3ـ مولد الإمام علي بن الحسين بن علي زين العابدين عليه السلام في الخامس من شعبان عام 38 للهجرة.
4ـ مولد الإمام محمد المهدي ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام في الخامس عشر من شعبان عام 255 للهجرة.