وليشهدوا منافع لهم - عمار كاظم

الحج رحلة الروح والبدن، وهجرة الإنسان الى الله تعالى ووفادته عليه سبحانه.وهو هجر للأهل والمال والملذات واحتمال المتعب والمشاق والعناء حبا لله وشوقا اليه واستجابه لندائه {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق} الحج/27. الحج عبادة يشترك في أدائها عناصر متعددة يشترك فيها الجسم والمال وتساهم فيها النفس والمشاعر لذا كان الحج عبادة مالية بدنية يتعبد فيها الإنسان عن طريق بذل المال والجهد واحتمال المشاق والمتاعب قربةً الى الله سبحانه واظهار للعبودية الخالصة له وتأكيدا للتحرر من كل قوة عداه سبحانه وتعالى.الحج عبارة عن مجموعة من المناسك والشعائر وجملة من الأفعال والأقوال تنظم جميعها في أطر زمنية ومكانية محددة لتجسد بمجموعها معنى تعبديا وعملا تربويا يساهم في بناء شخصية المسلم ويعمل على اعادة تنظيمها وتصحيح مسارها في الحياة ويسدد وجهتها ومسارها الى الله تبارك وتعالى.فعبادة الحج بصيغتها العامة من الأقوال والأفعال التعبدية التي يمارسها الحاج توحي للنفس بمعان كثيرة فتشعرها بجلال الموقف وروعة الخشوع والعبودية لله سبحانه وتزرع فيها مكارم الأخلاق وتقودها الى استقامة السلوك وحسن المعاشرة ففي كل فعل ونداء ومناجاة في مناسك الحج رمز يوحي الى النفس بمعنى وأداء يعبر عن سر وغرض تستوحيه النفس في تعاملها معه.فالاحرام والتلبيه والطواف والسعي والوقوف بعرفات والمشعر الحرام ورمي الجمرات كلها أفعال ذات مغزى ومشاعر ذات معنى يجب ان يحسها الحاج ويتمثل معانيها.والحج الى جانب كونه عبادة وتقربا الى الله سبحانه فان فيه منافع اجتماعية وفوائد ثقافية واقتصادية وسياسية وتربوية تساهم في بناء المجتمع الإسلامي وتزيد في وعيه وتوجيهه وتساهم في حل مشاكله وتنشيط مسيرته ففي الحج يشهد المسلمون أروع مظاهر المساواة والتواضع والأخوة الإنسانية، فبلباس الاحرام يحس الجميع بوحدة النوع الإنساني وبالأخوة والمساواة، وفي الحج يستشعر المسلمون وحدة الأرض ووحدة البشر وفي الحج يلتقي المسلمون فيتذاكرون شؤونهم ويتشاورون في أمور حياتهم وعقيدتهم ويتبادلون الخبرات والتجارب والآراء والعادات الحسنة ويتعرف بعضهم على مشاكل البعض ويطلع بعضهم على رأي البعض ويتعرض بعضهم على أخبار البعض فيزداد الوعي وتنمو المعرفة وتشحذ الهمم من أجل الاصلاح والتغيير والاهتمام بشؤون الأمة والعقيدة فتخطط المشاريع ويفكر في الأعمال وتؤسس المراكز الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ويستعين بعضهم بالبعض الآخر وكأنهم جسد واحد وروح واحدة.وفي الحج اعداد وتربية لسلوك الفرد ونوازعه فيتعود الحاج الصبر وتحمل المشاق وحسن الخلق ويتعود على الألفة والتعارف وتنمو لديه الروح الاجتماعية وتتهذب ملكاته الأخلاقية فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: { ان الله خلق الخلق...وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين ومصلحتهم في دنياهم فجعل فيهم الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا وليتزع كل قوم من التجارات من بلد الى بلد ولينتفع بذلك المكاري والجمال ولتعرف أثار رسول الله صلى الله عليه وآله وتعرف أخباره ويؤثر ولا يئس.....}. وهكذا شاء الله ان يكون الحج محرابا للعبادة وموسما للتربية والتوجيه ومجالا للمنفعة وتحقيق المصالح الاجتماعية للإنسان.