التكفير وسبل مواجهته - 1 من 3 - السيد جعفر فضل الله

تقودنا الظاهرة التكفيريّة إلى ضرورة التنبّه لتداعياتها، والعمل على معالجتها، ونفترض لذلك ثلاثة اتّجاهات:
أوّلاً: المعالجة الثقافية
واضحٌ أنّ التكفيريين يستندون إلى نصوص قرآنيّة أو نبويّة، أو غيرها، يرونها قاعدةً لتكفير من يختلف معهم في رأي معيّن أو في فهمٍ معيّن أو في عقيدةٍ معيّنة أو في سلوكٍ معيّن. وعليه، فجزءٌ أساسيّ من المعالجة ينبغي أن يتوجّه إلى تقديم القراءة الأخرى لهذه النصوص، حيث يرى الكثيرون من المفكّرين الإسلاميّين أنّ استنتاج تأسيسيّة بعض النصوص للتكفير ينتج من قراءة مجتزأة لها، في الوقت الذي يؤكّدون أنّه من غير المنهجيّ أن يتمّ بناء أي نظريّة إسلاميّة حول أيّ قضيّة من خلال انتقائيّة في النصوص، سواء كانت هذه الانتقائيّة عفويّة أو متعمّدة.
والذي يبدو هنا، أنّ مشكلة التكفير هي في الذهنيّة التي تقدّس عمليّة شلّ التفكير عبر التنظير للجمود عند نتاج الماضين، سواء سميّناه بالسلف الصالح أو المشهور أو بالإجماع أو ما إلى ذلك؛ لأنّ هذه العناوين تشير إلى توافق علماء أو فقهاء على آراء معيّنة في حقبة زمنيّة ما، قد تطول أو تقصر، ولكنّها تبقى ـ في حقيقة الأمر ـ تعبيراً عن خصوصيّات المُنتجين لهذه الآراء، أو عن خصوصيّة تلك الحقبة الزمنيّة التي تفرض تأثيرها في من فيها، من حيث الاهتمامات أو الذهنيّة أو المنهجيّة.
وهنا نرى أنّ على أصحاب الفكر التوحيدي أن يشكّلوا قوّة ضاغطة حقيقيّة، تتحرّك من المنطلق الثقافي تحديداً، لتقارب الواقع السياسي وتداعيات حركة الإسلاميّين على أساس كتاب الله وسنّة رسوله، من دون أن تنزلق إلى الخطاب السياسي المجرّد الذي يدخلها في لعبة الأطراف، فتُصبح طرفاً بدلاً من أن تكون فوق ذلك.
إنّ كثيراً من المتغيّرات قد لحقت بالفكر البشري عموماً، وليس الفكر الإسلاميّ بدعاً من ذلك؛ إذ رأينا تطوّراً على صعيد علم الكلام أو الفقه أو غير ذلك، ممّا لا يحسن معه الجمود عند التصنيفات القديمة، كأشاعرة ومعتزلة وغيرهما من الفرق، أو حتّى كشيعة وسنّة بالمعنى الثقافي العلميّ لحركة إنتاج العلم والمعرفة، كما لا يصحّ معه الجمود عند نتاجات سلفٍ صالحٍ؛ لأنّ صلاحه في السيرة والسلوك والنيّة لا يعني أنّ نتاجه ينبغي أن يكون موافقاً لما هو الحقُّ؛ وأعتقد أنّ هذه الفكرة هي أشبه بالبديهيّات في منطق العلم وإنتاج المعرفة.
فعندما يُكفَّر المسلمون الشيعة في فتاوى عالمٍ سنّيّ معيّن، أو عندما تُكفّرُ جماعةٌ من أهل السنّة في فتاوى عالمٍ شيعيّ معيّن، ينتميان إلى قرونٍ خلت، فإنّ من غير المنطقي الجمود عند ذينك الحكمين من دون النظر إلى المتغيّرات التي لحقت بالفكر عموماً، فضلاً عن مرتكزات كلٍّ منهما في إنتاج فتواه، ممّا قد يكون ظرفيّاً أو متأثّراً بكثير من العناصر الاجتهاديّة غير التامّة، أو من دون الأخذ بعين الاعتبار أنّ الاحتكاك المستجدّ في الواقع بين الجماعات المذهبيّة، قد أزال كثيراً من الغشاوة، أو من الدعاية السلبيّة، أو من التصوّرات الخاطئة عن الآخر، وكذلك في تغيّر المنهجيّة التي يتعامل فيها الفكر مع النصوص وفهمها واستخلاص النظريّة الإسلاميّة منها. (يتبع)،،،