مدرسة الامام جعفر الصادق - عمار كاظم

الذي يدرس تاريخ الأمة الإسلامية في مرحلتها الأموية والعباسية ويدرس عوامل الحركة والإندفاع في عمق الحضارة الإسلامية وما رافقها من صراع ونشاط وثورات وتجديد يكتشف بوضوح تام ثلاث عناصر أساسية هي :-
1. قدرة الاسلام على التجديد والإبداع والعطاء سواء في المجال العلمي والثقافي أو في مجال الأصالة والقوة العقائدية، أو في مجال الكفاح السياسي وحماية حرية الإنسان وكرامته من الظلم والطغيان.
2. انحراف الحكام وحدوث هزة سحيقة بين المبادئ الإسلامية وبين السلطة الحاكمة وأسلوب تعاملها مع الأمة.
3. حيوية الأمة الإسلامية وقدرتها على التحرك ضد الحكام المنحرفين عن الإسلام ودور أهل البيت عليهم السلام واحتلالهم مركز القيادة والتوجيه، لذا كان الاضطهاد والتشريد والتقتيل والتعذيب يلاحق آل البيت النبوي.
ولقد عاش الإمام جعفر الصادق عليه السلام هذه الحقائق الثلاث كأشد ما يمكن أن تكون ظهورا وتجسيدا, وشاهد الظلم والإرهاب والقسوة يسلطها الحكام ضد أبناء الأمة بصورة عامة، وضد آل علي عليه السلام بصورة خاصة.
شاهد عليه السلام بنفسه محنة آل البيت وآلام الأمة وآهاتها وشكواها وتململها. انطلق الإمام عليه السلام في ظل تلك الظروف الصعبة نحو بناء الأمة علميا وفكريا وسلوكيا، فعمل على تربية العلماء وجماهير الأمة على مقاطعة الحكام الظلمة ومقاومتهم عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي والتفقه في أحكام الشريعة ومفاهيمها ويثبت لهم المعالم والأسس الشرعية الواضحة.
تميز عصر الإمام عليه السلام بأنه عصر النمو والتفاعل العلمي والحضاري بين الثقافة والتفكير الإسلامي من جهة وبين ثقافات الشعوب ومعارف الأمم وعقائدها من جهة أخرى. ففي عصره تمت الترجمة ونقلت كثير من العلوم والمعارف والفلسفات من لغات أجنبية إلى اللغة العربية ومارس مهامه ومسؤولياته العلمية والعقائدية كإمام واستاذ وعالم لا يدانيه أحد من العلماء ولا ينافسه استاذ أو صاحب معرفة فقد كان القمة الشامخة والمجد الفريد، فجّر ينابيع المعرفة وأفاض العلوم والمعارف على علماء عصره واساتذة زمانه فكانت اساسا وقاعدة علمية وعقائدية متينة ثبت عليها بناء الإسلام واتسعت من حولها أفاقه ومداراته واستطاع أن يجعل مدرسته المفتوحة على كل الناس مدرسة تتحرك لتعطي الثقافة الإسلامية أكثر الأساليب والوسائل شمولا وسعة. وصدق الإمام مالك حيث قال: {مــــا رأت عـين ولا سمعـت أذن ولا خطــر علــى قلــب بشر أفضـــل مــن جعفر الصادق عليه السلام فضلا وعلما وعبادة وورعا}.