السيد موسى الصدر والنزعة الإصلاحية - زكي الميلاد

يُعتبر السيد موسى الصدر من المُصلحين الذين كانت تحرّكهم نزعة الاصلاح بوعيٍ شديد، وهي النزعة التي اصطبغت بها تحرّكاته ونشاطاته الثقافية والاجتماعية والسياسية.وكان متحفّزاً لهذا الدور الاصلاحي، وساعياً الى تقمّصه، ومتطلّعاً من ورائه الى احداث تغيير ونهضة وتقدّم في الأمة.
وعند النظر لهذا الدور الاصلاحي الذي نهض به الإمام الصدر، يمكن التوقّف أمام بعض الملاحظات التي تتّصل بالاطار العام، وتكوين المعرفة بطبيعة وملامح ذلك الدور الاصلاحي.وهذه الملاحظات هي: أولاً: يُعتبر الإمام الصدر من المصلحين الذين تبلورت حركتهم الاصلاحية في مجتمع غير المجتمع الذي كانوا ينتمون اليه من حيث الولادة والنشأة، ومن حيث المكان والأرض.ويصدق هذا الحال على بعض رجالات حركة الاصلاح الاسلامي في العصر الحديث، كالشيخ محمد رشيد رضا الذي تبلور نشاطه الاصلاحي في مصر، وهو القادم اليها من طرابلس- لبنان.
ثانياً: لقد ورث الإمام الصدر الدور الاصلاحي الذي نهض به من قبل رجالات الاصلاح الاسلامي في لبنان، وفي مقدّمتهم السيد محسن الأمين، والسيد عبد الحسين شرف الدين، وهما اللذان عاصرا مرحلة الانتداب الفرنسي على بلاد الشام، والعقود الأولى لمرحلة ما بعد استقلال لبنان وقيام الدولة اللبنانية.والدور الاصلاحي الذي نهض به الإمام الصدر يمثِّل امتداداً وتواصلاً في تكويناته الفكرية والثقافية والدينية لذلك الدور الذي نهض به كلٌّ من السيد محسن الأمين والسيد عبد الحسين شرف الدين..وورث الإمام الصدر هذا الدور بكفاءة عالية، وأضاف اليه أبعاداً جديدة خصوصاً في المجال السياسي.ودشَّن بهذا الدور مرحلة جديدة يمكن ان يؤرّخ لها في تاريخ الشيعة المعاصر في لبنان.
ثالثاً: من الملاحظ ان البُعد العملي كان الأكثر هيمنة على الدور الاصلاحي للسيد الصدر.وبين المصلحين هناك مَن كان يعطي أولوية للجانب العملي في حركته كالسيد جمال الدين الأفغاني، وهناك مَن كان يعطي أولوية للجانب الثقافي في حركته كالشيخ محمد عبده..ولهذا كانت شخصية السيد الصدر أقرب الى شخصية السيد جمال الدين الأفغاني، وأميل اليه من الشخصيات الاصلاحية الأخرى، بل وأكثر شخصية حاضرة في ادراك السيد الصدر وهو يتطلّع الى الدور الاصلاحي الذي يزمع النهوض به.
هناك مرحلتان أساسيتان تتّصلان بدراسة طبيعة الدور الاصلاحي للإمام الصدر:
أولاً، مرحلة ما قبل لبنان: هذه المرحلة لا يتسلّط عليها الحديث كثيراً في الكتابات والدراسات التي تناولت الحديث عن شخصية وحركة الإمام الصدر وفكره وخطابه.والطابع العام المميّز لهذه المرحلة هو الطابع الفكري والثقافي..ومن المعروف ان السيد الصدر كان ينتمي في ايران الى تيار الفكر الديني الذي يتواصل مع العصر، وينفتح على العلوم والمعارف الحديثة، ويتبنّى اتجاهات الاصلاح والتجديد.
ثانياً، مرحلة لبنان وصياغة المشروع السياسي للشيعة: من لبنان عرف السيد الصدر في العالم العربي، الذي تواصل معه وانفتح عليه.وقد جاء السيد الصدر بروحٍ جديدة الى لبنان، والى الشيعة منهم بالذات، حيث بدأ تاريخ جديد للمسلمين الشيعة هناك، وبدأت أوضاعهم تتحرّك وتنتقل من حالة الجمود الى حالة الحركة، ومن حالة النسيان الى حالة التذكّر، ومن حالة التهميش والحرمان واللاتكافؤ الى العمل على تصحيح هذا الواقع انطلاقاً من عناوين العدالة والمساواة والتكافؤ والتوازن.ولعلّ أهمّ تطوّر أنجزه الإمام الصدر في هذه المرحلة، هو أنّه تمكّن من صياغة مشروع سياسي للمسلمين الشيعة في لبنان، المشروع الذي شكَّل لهم نظرة جديدة لأنفسهم في اطارهم الوطني، ونظرة الآخرين لهم.كما شكّل لهم أيضاً نظرة جديدة من الدولة ومؤسّساتها.
ومن أبرز ملامح ومكونات المشروع السياسي الذي بلوره الإمام الصدر، هي:
أولاً: تحديد علاقة الشيعة بالدولة وبمفهوم الوطن
ثانياً: الانفتاح والتواصل مع مكوّنات المجتمع اللبناني
ثالثاً: تنظيم واقع الطائفة الشيعية وبناء العلاقات الداخلية بين مكونات المجتمع الشيعي نفسه
رابعاً: الانفتاح على العالم العربي وتطوير علاقات الشيعة بالمحيط العربي على المستويين الرسمي والأهلي.