المصيبة والبلاء في نظام الحياة - من تفسير من وحي القرآن


للحياة نظامها المتوازن الخاصّ في حركة النّظام الكونيّ وفي واقع الإنسان، على مستوى الفرد والجماعة، فلكلّ ظاهرة سببها، ولكلّ موجودٍ قانونه الخاصّ، ما يجعل من حركة الأحداث في حياة الأفراد والجماعات حالةً محسوبةً في كلّ أوضاعها من حيث ظروفها المحيطة بها...واذا كان الأمر كذلك، فلابد من ان يحمل الإنسان في وعيه الفكرة الّتي توحي بخضوع كلّ أوضاعه وأفعاله للتّقدير الالهيّ الّذي يقدّر لكلّ شيء حركة وجوده في علاقة المسبّبات بأسبابها، فليست هناك حالة طارئة، وليست هناك صدفة في أوضاع الحياة.
يقول تعالى: {ما أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ} من أحداث الحياة الّتي تثير الآلام وتحرّك الأحزان وتربك المشاعر، مما يصيب الإنسان في نفسه وأهله وماله {إلاَّ فِي كِتَابٍ} في ما يكتبه الله في اللّوح المحفوظ، أو نحوه مما تسجَّل فيه أحداث الوجود، أو في ما يقدّره الله في علمه الغيبيّ المنفتح على الأشياء قبل وجودها، لأنّه هو الّذي يمنحها الوجود، فيحيط بها في كلّ أسرارها وأوضاعها، فتكون كلمة الكتاب كنايةً عن العلم الالهيّ، (مِّن قَبْلِ ان نَّبْرَأَهَا) أي نخلقها، في تقديره لكلّ حدود وجودها.
ويقول تعالى: {انَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} في ما ينظّم به الحياة في تقديره الّذي لا تتخلّف فيه ارادته عن المراد، من خلال قدرته المطلقة الّتي لا يعجزها أي شيءٍ.ويلفت القرآن الكريم الى قضية إنسانيّة مهمّة، وهي: {لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتاكُمْ}، فلا تعيشوا السّقوط تحت وطأة الحزن المدمّر، أو البطر تحت تأثير الفرح الطاغي، عندما تحدث الخسارة أو عندما يأتي الرّبح، انطلاقاً من صدمة المفاجأة التي تثير ذلك هنا وهناك، بل لابد من مواجهة الأمر على أساس ان الحديث السلبي أو الايجابيّ حالة طبيعيّة في نظام الوجود، لأنّ الخسارة تخضع لأسبابها الاختياريّة أو الاضطراريّة، كما ان الرّبح يخضع لذلك، فلا مجال لأيّ شيءٍ طارئ في ذلك، ولا مفاجآت في عمق الأمور، فاذا تمت للحدث أسبابه، فلابد من ان يحدث، من خلال الحتميّة الكونيّة للأشياء، في ما قدّر الله لها، تماماً كما هي الأشياء الكونيّة في نظام الطبيعة الخاضع للتّقدير الالهيّ في التكوين.
وقد جاء في نهج البلاغة: قال أمير المؤمنين على عليه السلام: (الزّهد كلّه بين كلمتين من القرآن، قال الله سبحانه: {لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتاكُمْ}، ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي، فقد أخذ الزّهد بطرفيه).
وعلى ضوء ذلك، لابد للإنسان من ان يتواضع في حركته، ويتوازن في شعوره، ويثق بالتّقدير الالهيّ في موارد رزقه، فلا ينتفخ في حالات الفرح، ليتحوّل ذلك عنده الى حالةٍ استعراضيّةٍ من الخيلاء، أو حالةٍ استكباريّة من الاستعلاء والفخر، أو حالةٍ أنانيّةٍ خائفةٍ تقوده الى البخل، يتيه على النّاس بزهوه، ويفخر عليهم بأعماله، فليس في الأمر فضلٌ ذاتيّ خاصّ، بل المسألة مسألة ارادة الله في التّقدير، ليعرف ان ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، في خضوعه لحركة الوجود السّائرة بتقدير الله.