البخل والكفر

ما العلاقة بين البخل والأمر به وبين الكفر من خلال ما جاء في قوله تعالى: {انَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا، الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} النساء:36-37.
يمكن القول ان هذه الآية القرآنية تشير ضمنياً الى ان البخل والأمر به وكتمان النعمة والتوسعة الالهية على العبد من الصفات التي لا تتناسب مع شخصية الإنسان المسلم، وهي أقرب الى سلوك الإنسان الكافر.
كما يمكن القول ان الآية تتحدث عن نوع من الكفر العملي، وهو الكفر بنعم الله سبحانه وعدم شكرها من خلال كتمانها والبخل بها والحث على البخل بها.

بخل شخصي:
وإذا كان البخل في حدود تعامل الفرد مع نفسه، أي ان يبخل على نفسه، فهذا شأنه، فهو الذي سيذوق عذاب الحرمان في الدنيا وغضب الله في الآخرة، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: (أقل الناس راحة البخيل)، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (حرمت الجنة على المنان والبخيل والقتات).
ويمكن ان نفهم سبب الحرمان من الجنة بلحاظ ان البخل يتضمن نوعاً من سوء الظن بالله عز وجل كما قال الامام جعفر الصادق عليه السلام (حَسْبُ البخيل من بخله، سوء الظن بربه)، ولذا كان عليه السلام يتعجب: (ان كان الخلف من الله عز وجل حقاً، فالبخل لماذا؟).
بالطبع هذا لا يعني بالضرورة الحرمان الأبدي، فهو قد يمر بمرحلة (تطهير روحي أخروي) بطريقة ما يتطهر من خلالها من هذه الصفة التي لا تتناسب ونفسية أهل الجنة.

بخل أشد:
ولكن اذا كان بخل الفرد على مَن يعول، كالزوجة والأبناء، فالقبح يكون مضاعفا، لأن التأثير السلبي لن يكون مقصورا على الفرد نفسه بل يتعداه الى الآخرين، ويؤثر سلبا على كرامتهم ونظرتهم الى الحياة وتعاملهم مع الآخرين وباحساسهم بالحاجة المستمرة، وقلة قدرهم بالقياس الى الآخرين، بل وقد يدفع بعض الأبناء للكذب أو السرقة أو خيانة الأمانة، وما الى ذلك من الرذائل، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اياكم والشح فانما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالكذب، فكذبوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا). وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: (البخل جامع لمساوئ العيوب، وهو زمام يقاد به الى كل سوء).

التوسعة مرضاة للخالق:
وفي المقابل جاءت النصوص الشريفة تحث رب الأسرة على التوسعة على العيال، وتعتبر ذلك نوعاً من العبادة، وتعِدُه بالعطاء الالهي الجزيل في الدنيا والآخرة، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ان من خير رجالكم التقي النقي السمح الكفين النقي الطرفين البر بوالديه ولا يلجئ عياله الى غيره) وعن الامام جعفر الصادق عليه السلام: (من صدق لسانه زكا عمله، ومن حسنت نيته زيد في رزقه، ومن حسن بره بأهل بيته مد في عمره) وعنه عليه السلام: (...وان ارضاكم عند الله أسبغكم على عياله).
وقد روى الفضل بن أبي قرة قال: (رأيت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يطوف من أول الليل الى الصباح وهو يقول: اللهم قني شح نفسي.فقلت: جعلت فداك ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء.قال: واي شيء اشد من شح النفس؟ ان الله يقول «ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون»).