فرحة العيد - الشيخ علي حسن

العيد في المفهوم الإسلامي هو تلك المناسبة التي تعود معها مشاعر البهجة ومظاهر الاحتفال بصورة متزنة لارتباطها بحدث تاريخي ما، أو ترتباً على النجاح في تحقيق إنجاز ما، وهو على كل حال نوع من التعبير عن الشكر للبارئ سبحانه على نعمه وتوفيقاته ورحماته التي وإن كانت دائمة، إلا أنها تتجلى بصورة أكبر في تلك المناسبات.
فرحة إنجازات:
فعيد الفطر المبارك يعتبر إعلاناً عن فرحة المسلم لإتمامه صيام شهر رمضان بما تضمنه من أجواء روحية تزوده بزخم إيماني يستعين به في أيامه القادمة في مواجهة التحديات والصعوبات وتقلبات الحياة المختلفة. وعيد الأضحى يمثل استحضاراً واحتفالاً بأحداث تاريخية ترتبط بنداءات التوحيد الإبراهيمية، وإنجازات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم التي توّجها بالحج، ولنجاح المسلمين بإقامة شعائر الحج في ذلك العام امتداداً لمسيرة قوافل الحجاج إلى بيت الله الحرام عبر آلاف السنين.
فرحة ومسؤولية:
إلا أنه لا يخفى أن طبيعة الاحتفال بالعيد وفق المفهوم الإسلامي لا تقتصر على المظاهر المادية في الملبس والزينة والمأكل وتوزيع الهدايا وأمثال ذلك، بل تبدأ بإعلان الشكر لله سبحانه في تجمع إنساني إيماني من خلال صلاة العيد التي يلتقي فيها المسلمون ليؤكدوا من جديد تمحورهم حول عنوان توحيد الله الذي يفترض به أن يترجم عملياً إلى توحيدٍ فيما بينهم، إن لم يكن في توحيد يوم العيد، وهو ما يتطلع إليه المسلمون (لاسيما في عصر الانفتاح المعلوماتي الذي نعيشه مما يوفر أرضية لانتقال الخبر في لحظة)، فليكن من خلال عدم تحويل الاختلافات الاجتهادية فيما بينهم إلى سببٍ لإثارة العصبيات ومنطلق آخر لتفتيت ما تبقى من لُحمة فيما بينهم. وتأتي خطبة صلاة العيد لتؤكد تلك الحقائق وترسخها في عقول ونفوس المسلمين وتعمّق دلالات المناسبة والعيد.
كما أن الاحتفال بالعيد يبدأ أيضاً بالتفاعل الاجتماعي من خلال إخراج زكاة الفطرة ودفعها للفقراء والمدينين وغير ذلك من العناوين المذكورة في الآية القرآنية، أو من خلال ذبح الأضاحي وتوزيع لحومها: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الحج:36.
ويضاف إلى ذلك كله الحث على الاتزان في مظاهر البهجة والزينة والفرح لئلا يتحول الاحتفال بهذه المناسبات إلى سبب للوقوع في المعاصي وخسران المكتسبات الروحية السابقة والإضرار بالآخرين تحت عناوين ومبررات مختلفة، أو من خلال تصرفات غير مسؤولة كما جاء في قوله سبحانه: (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) القصص:76، وهو فرح البطر والإسراف والتكبر والعُجب والإفساد.