خطبة الجمعة 8 رمضان 1433 ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية : في ذكرى الانتصار


(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آل عمران:104-105.
ـ كيف عشنا هذه الأيام قبل ست سنوات ـ سنة وشيعة ـ أبان العدوان الصهيوني على لبنان، وكيف تفاعل الناس ـ سنة وشيعة ـ مع الصمود والانتصارات غير المسبوقة التي حققتها المقاومة في لبنان؟
ـ بعد تلك الهزيمة التي تعد الأولى بالنسبة للجيش الصهيوني في حرب يفرضها هو، وباعتراف تقرير فينوغراد، انفتح ملف المواجهة مع المقاومة على مصراعيه، والعنوان الرئيسي لذلك الملف أن المواجهة العسكرية مع هذه الثلة المؤمنة بقضيتها مواجهة خاسرة.
ـ ولذا بدأ العمل الدؤوب على مستويين رئيسيين:
الأول: تفكيك حالة التقارب المذهبي، وتحويلها إلى صراع لم تعش المنطقة له مثيلاً منذ عقود.
الثاني: العمل على تشويه صورة المقاومة بالاستفادة من عوامل داخلية وخارجية.
ـ أي شخص صاحب قراءة بسيطة في هذا الإطار يدرك البون الشاسع ما بين يوليو 2006 ويوليو 2012، فارق لعله لم يخطر على بال أشد الناس تشاؤماً في قراءة مستقبل علاقة العالم العربي بالمقاومة التي اعتبرت آنذاك مقاومة العزة، المقاومة التي أعادت للعرب شيئاً من الكرامة التي سُحقت في معاهدات
السلام وسنوات الاستسلام والخضوع للإرادة الاستكبارية.
ـ في الأسبوع الماضي تحدثت عن المستوى الأول، ومؤامرة الحرب الباردة بين السنة والشيعة، واليوم
أتحدث قليلاً عن المستوى الثاني، والذي نجح فيه الصهاينة ومَن وراءهم في تحقيقه إلى مدى بعيد، وبالاستفادة أيضاً في جانب مهم منه من الخلاف المذهبي.
ـ منذ 2006 قلما تجد قضية أثيرت في المنطقة إلا وزج باسم المقاومة اللبنانية فيها بصورة سلبية، مع نعتها بأقذع الأوصاف، حتى أحداث الثورة المصرية اتهمت فيها المقاومة بأنها كانت وراء عمليات القنص والاغتيال وإثارة الفتنة في البلاد!
ـ وهكذا الأمر في الأوضاع المتفجرة في سوريا، إذ تجد إصراراً من وسائل الإعلام والمتحدثين باسم الثورة والمحللين السياسيين على الزج باسم المقاومة اللبنانية بصورة سلبية جداً وكأن الجيش السوري والمخابرات وغيرها من الأدوات الأمنية الرهيبة الموجودة في سوريا حزب البعث تنتطر التعليمات من المقاومة في كيفية المواجهة.
ـ لا أريد مناقشة خطاب المقاومة اللبنانية بخصوص الوضع في سوريا، وهل كان بالإمكان تقديم خطاب آخر أم لا.. ولكن ما أريد قوله أن المسألة هي جزء من مسلسل تلويث سمعة المقاومة وبالتالي عزلها عن
محيطها وإضعافها حتى في بيئتها الحاضنة.
ـ ومن هنا أوجه خطابي إلى إخواننا من أهل السنة: عودوا بذاكرتكم إلى عام 2006، عودوا بذاكرتكم إلى عام 2008 حيث العدوان على غزة.. وتذكروا أن جانباً مهماً من صمود حماس في غزة ومواجهة الصهاينة في عدوانهم جاء من خلال الدعم اللوجستي والعسكري وغرفة العمليات المفتوحة مع المقاومة في لبنان.. دون أن تكون للعناوين المذهبية أي دور سلبي في ذلك.. عودوا إلى تلك الأحداث لتعرفوا أن الصهاينة ومَن وراءهم لا يفرّقون بين سني وشيعي، فرأس الإسلام هو المطلوب.. اقرؤوا الدراسات والتقارير المنشورة بهذا الصدد من قبل الغرب نفسه لتعرفوا أننا جميعاً سنخسر فيما لو تم الاستفراد بالمقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين بأسلوب: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض. إن علينا جميعاً أن نرتفع إلى درجة من الوعي الذي نتفاعل من خلاله مع القضايا الكبرى للأمة معاً، لا أن نسمح للعدو بأن يُضعف مكامن القوة فيما تبقى لنا من هذه المكامن، ليأتي اليوم الذي نتحسر فيه على بقايا عزة تبخرت، ومقوّمات كرامةٍ كانت بأيدينا فضاعت.