سفرٌ وصيام

قد يثير البعض ضرورة إلغاء حكم القصر في صلاة المسافر، في الوقت الحاضر، لأنّ الأساس فيها، حسب الظّاهر، هو المشقّة اللازمة في السّفر في العصور السّابقة، لأنّ وسائل السّفر عندهم كانت البغال والحمير والجمال ونحوها، مما يعاني معها المسافر مشقّةً كبرى، أمّا الآن، فيمكن للمؤمن قطع المسافة المعتبرة في تحديد مقدار السّفر بوقتٍ قصير، من دون أيّة مشقّة من خلال الوسائل الحديثة، كالسيّارة والطّائرة والباخرة ونحوها؟!
والجواب، أنّ المسألة تنطلق من طبيعة التّسهيل، باعتبار أنّ السّفر يمثّل حالةً من حالات عدم الاستقرار؛ الأمر الّذي يطلب فيه التّخفيف، ولذلك وجب التّمام عند الإقامة عشرة أيّام، أو إذا كان عمل الإنسان السّفر، بحيث يكون السّفر أمراً عاديّاً له، أو نحو ذلك، وقد ورد الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال في موضوع قصر الصّلاة: (صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)، وقد روي عن الإمام جعفر الصّادق عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ الله عزّ وجلّ تصدّق على مرضى أمّتي ومسافريها بالتّقصير والإفطار، أيسرُّ أحدكم إذا تصدّق بصدقةٍ أن تُردَّ عليه؟).
وقد روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق أنه قال: (الصّائم في السّفر في شهر رمضان، كالمفطر فيه في الحضر)، ثم قال: (إنّ رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله، أصوم شهر رمضان في السّفر؟ فقال: لا، فقال: يا رسول الله، إنّه عليَّ يسير، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ الله عزّ وجلّ تصدّق على مرضى أمّتي ومسافريها بالإفطار في شهر رمضان، أيحبّ أحدكم لو تصدّق بصدقةٍ أن تُردَّ عليه؟).
وهكذا نلاحظ أنّ المسألة لا تنطلق من حالةٍ اختياريّةٍ تابعةٍ لسهولة السّفر وصعوبته، ومشقّة الصّوم ويسره، بل هي هديّة إلهيّة في التّشريع، من أجل التّخفيف على المسافر بطريقةٍ إلزاميّة؛ والله العالم.