نظرة علمية للإحساس بالذنب

الإحساس بالذنب دائماً مؤلم، إلا أنّه ليس دائماً أمراً سلبياً. أحياناً يكون عذاب الضمير مفيداً، ويصبح شعوراً بنّاءً يشجع الناس على التعاطف مع بعضهم البعض، كما أنّه يشكل معياراً جيِّداً للتمييز بين الخير والشر. (الإحساس بالذنب هو تجربة عاطفية غير مُحبّبَة للإنسان، حيث يصاحبها شعور بالتوتر والقلق وعدم الاستقرار النفسي) يقول (لوران بيغ) أخصائي علم النفس الاجتماعي. ويضيف: (لكن الشعور بالذنب قبل أن يكون ظاهرة مزعجة، هو علامة على أن صحتك النفسية جيِّدة، فالذي لا يساوره الشعور بالذنب أبداً هو إنسان غير سوي). هذا الإحساس هو علامة تُبيّن للإنسان أنّه أساء التصرف، وحادَ عن القيم والأخلاق التي يؤمن بها. مثلاً، يقول (لوران): (أغضب دائماً من نفسي عندما أفقد أعصابي، وأرفع صوتي على عاملة الصندوق في السوبرماركت. كان أمامي خيار آخر، وهو أن أكون أكثر صبراً وتفهّماً لكني لم أفعل. لا أحب أن أفقد السيطرة على أعصابي أو أن أجرح الآخرين. لهذا، أندم كثيراً على الكلمات التي تصدر عني في حق الآخرين وأنا غاضب).
من جهة أخرى، يقول (لوران بيغ): (ذكريات الآلام التي تصاحب الشعور بالذنب، تدفعنا إلى أن نكون مخلصين مع الآخر ونعامله معاملة جيِّدة، سواء أكان إنساناً أم حيواناً، وتجعلنا متعاطفين أكثر، وأكثر حساسية واستشعاراً بمعاناة الآخرين، ومبادرين إلى مسامحتهم). إذن، الشعور بالذنب هو وسيلة جيِّدة منبّهة للإنسان، لكي يبقى سائراً على الطريق المستقيم وضامناً أن يبقى واعياً بما هو خير وما هو شر.
شعور كوني:
(شأنه شأن الشعور بالفرح أو بالغضب، الشعور بالذنب هو أيضاً شعور كوني لدى كل البشر، وهو شعور قديم قدم الأزل، وُجد مع الإنسان منذ بداية خلقه، شعور متجذر في داخل الإنسان) يقول المحلل النفسي (جاك لاكان). أما (ميلاني كلين) المحللة النفسية، ومن أكبر المتخصصين في الطفولة المبكرة، فتقول: (يظهر الشعور بالذنب لدى الإنسان منذ الشهور الأولى من حياته، وينتج عن تعدد المشاعر التي يشعر بها الطفل تجاه أُمّه، فقد يشعر الطفل بالذنب ويوبّخ نفسه، لأنّه في لحظات ما كره أمّه، على الرغم من أنها تلك المرأة الرائعة، التي يعتمد عليها في كل أمور حياته).
شعور خادع:
أن تشعر بالذنب لا يعني أنك مذنباً فعلاً، فهناك فرق كبير بين الاثنين. انظر مثلاً إلى حالة الشعور بالذنب لدى شخص يقول: (أشعر بالذنب لأنني الوحيد الذي بقي على قيد الحياة، في حين توفي كل من كانوا معي على متن الطائرة المنكوبة)، أو الأُم التي تقول: (لماذا أنا بصحة جيِّدة بينما طفلي الصغير مريض جدّاً؟). انظُري إلى الأُم التي تترك رضيعها للمربّية وتذهب مع زوجها إلى مكان ترفيهي، إنها تشعر بالذنب أكثر مما يشعر به سائق سيارة صدم من دون قصد أحد الراجلين بسيارته! إذن، لماذا هذه الأحاسيس الخادعة؟ لأن من أصعب الأشياء على الإنسان أن يميّز الحدود التي تفصل بين السلوكيات الخيرة والسلوكيات الشريرة. ويقول (لوكان) الأخصائي النفسي، إنّ الشيء الوحيد الذي يمكن أن نكون مذنبين فيه، هو أن لا نتحمل نتيجة رغباتنا، وأن نكون "جبناء" معنوياً. بمعنى أنّ الخروج من الشعور بالذنب لابدّ أن يمر عبر معرفة الذات، والاعتراف برغباتنا الحقيقية، وأخطائنا العارضة. وكلما حاول الإنسان الهروب من الجوانب المظلمة في شخصيته، أو تلك غير المقبولة اجتماعياً زاد شعوره بالذنب حدة.