البخل في نهج البلاغة

في نهج البلاغة حديث متنوع عن البخل، يطرق أبواباً عدة بياناً وتحليلاً وتحذيراً، ومن ذلك:
1. في بيان قبح هذه الصفة: (البخل جامعٌ لمساوئ العيوب، وهو زمام يُقاد به إلى كل سوء) فهو يدفع إلى الكذب خوفاً من مطالبة الاخرين له بالمساعدة، ويمنع الإنسان من العطاء الواجب كالزكاة والمستحب كالصدقة، ويحرّض على كسب المال ولو من الطرق غير المشروعة .. إلخ.
2. في بيان سبب البخل: (.. فإن البخلَ والجُبنَ والحِرصَ غرائزُ شتى يجمعها سوءُ الظن بالله) أي أن البخل انعكاس لخلل عقائدي يعاني منه البخيل، فلو كان مؤمناً بوعد الله: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ:39، لما تردد في الإنفاق على نفسه وعلى الآخرين بالمستوى الذي يرضى به الله سبحانه، ولكن سوء ظنه بالله يدفعه للبخل خوفاً من عدم تعويض ما ينفق.
3. في بيان الخسارة المترتبة على بخل البخيل على المستوى الشخصي وتجاه الآخرين: (قال عليه السلام وقد مرّ بقذَر على مزبلة: هذا ما بخل به الباخلون) فهي خسارة للبخيل، إذ لو أنه أعطى المحتاجين مما فاض عنده من طعام مثلاً، لما أبقاه عنده ـ بُخلاً ـ حتى فسد ورماه مع القاذورات متحسراً على ما فقد دون أن يتمتع به.
4. في بيان بعض النتائج الاجتماعية المترتبة على البخل: (وإذا بخل الغني بمعروفه باع الفقيرُ آخرتَه بدنياه) فالحاجة قد تدفع هذا الفقير إلى ارتكاب المعصية سرقةً أو غشاً أو ارتشاءً أو بغير ذلك، لرفع حاجته، أو ارتفاعاً بمستواه المعيشي، الأمر الذي قد يسبب تفشّي المفاسد الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والأمنية كما نشهده في العديد من الدول الفقيرة.
5. في معاناة البخيل في الدنيا والآخرة: (عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِى إِيَّاهُ طَلَبَ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الْآخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ) وهي مفارقة عجيبة حقاً، فالمعاناة تلاحقه في الدنيا باختياره، والمسؤولية لا تنفك عنه في الآخرة بسوء تصرفه وتقديره.
6. في التحذير من صداقة البخيل: (وإياك ومصادقة البخيل فإنه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه).
7. في التحذير من مشورة البخيل وجهها إلى حاكم مصر مالك الأشتر: (ولا تُدخلن في مشورتك بخيلاً يعدِلُ بك عن الفضل، ويعدُك الفقر) الأمر الذي يوقف عجلة التنمية في البلاد، ويثير أحقاد المواطنين على الحاكم.
8. في التحذير من بخل الحاكم نفسه: (و قد علمتم أنّه لا ينبغى أن يكون الوالى على الفروج و الدّماء و المغانم والأحكامِ وإمامةِ المسلمين البخيلُ، فتكون في أموالهم نهمتُه) وبالتالي لن يتورع عن نهب المال العام، وهو من أهم عناصر تفشّي الفساد في أي بلد.