لابد من منقذ - الشيخ حسين الراضي – الإحساء


إذا نظر الانسان بواقعية للمجتمعات البشرية الحاضرة على اختلاف طبقاتها وحضارتها ومدنيتها وتقدمها المادي والعلمي وما توصلت اليه في جانب التكنولوجيا الحديثة، كل ذلك لم يمنعها لأن تعيش التخلف الأخلاقي والإيماني وأصبحت هذه المجتمعات مثل الوحوش الضارية يفترس بعضها بعضاً ويقضي قويها على ضعيفها وصحيحها على سقيمها وغنيها يأكل فقيرها بلا وازع ولا مانع ولا عطف ولا حنان ولا رحمة.
إن فكرة المنقذ البشري والمخلص للعالم هي الفكرة التي لابد للعالم أن يؤمن بها الآن أو في المستقبل للحاجة الضرورية الماسة اليها. الإسلام الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور وهو يعلم حاجاتهم وما يصلح أمورهم ويحل مشاكلهم وقد وضع لهم فكرة الرجل المصلح الذي سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، ولن يحل مشاكل البشرية حلاً جذرياً وناصعاً إلا الإمام المهدي عليه السلام كما أخبر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أكثر من حديث. وهذا لا يدعو الى الخضوع والخنوع والانتظار السلبي حتى يخرج الإمام المنتظر عليه السلام، بل يجب الاستعداد التام لخروجه وانتظاره والمشاركة في تغييره للعالم وهذا يحتاج الى درجة كبيرة من الوعي والاستعداد التام للتشرف بحضوره.

الديموقراطية الحديثة

إن ما يجري في عالم التمدن والتقدم حديثاً هو عين ما جرى وأكثر مما جرى في زمان الجاهلية الأولى بل لا يوجد بينهما نسبة. ولأجل هذا فإن المولى سبحانه أجرى السنن الإلهية في هذه الأمة كما أجراها في الأمم السالفة، فأقام الحجة عليها كما أقامها على غيرها، ففي ما مضى أرسل الأنبياء والمرسلين وأقام الأوصياء لئلا تكون للناس على الله الحجة بل لله الحجة البالغة على خلقه. وكذلك في هذه الأمة بعد ان {أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} وختم النبوات والرسالات بنبوة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وجاء من بعده الأئمة الأوصياء الاثنا عشر عليهم السلام، وحتى لا تخلو الأرض من حجة فإن آخرهم الإمام محمد بن الحسن العسكري بن الإمام علي الهادي عليهم السلام الذي تمر في هذه الأيام ذكرى ولادته والتي وقعت في 15 من شهر شعبان المعظم سنة 255هـ وهذا هو الحجة لله على خلقه.

الإمام الحجة

إن الأدلة الشرعية التي تثبت بكل وضوح ان الحجة لله سبحانه على خلقه كما في قوله تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلأ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) هذه عامة في كل زمان ومكان فليس لأحد على الله حجة قبل هذه الأمة وبعدها فالحجة قائمة عليهم، إن الإمام الثاني عشر من أئمة الهدى هو الحجة على هذه الأمة بعد جده المصطفى وآبائه الأحد عشر عليهم السلام.

الحكمة من الغيبة

لما كان الهدف من بعثة الأنبياء والرسل هو دعوة الناس الى الله والهداية اليه وإظهار أحكامه وتنفيذها فمتى ما تمكنوا من القيام بهذه المهمة وجب عليهم ذلك وهم بين أفراد الناس ومتى لم يتمكنوا علانية وجب عليهم القيام بذلك ولو سراً وحينئذ فالأنبياء على قسمين:
1 - المستعلنون: أي الظاهرين للعيان بين الناس.
2 - المستخفون: وهم المستترون عن أعين الناس وذلك في صورة عدم تمكنهم من مزاولة مهماتهم ظاهراً.
قال تعالى: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} بناء على ان الذين لم يقصصهم القرآن الكريم هم المستترون، فتدل الآية ان بعض الأنبياء ظاهرون وبعضهم مستخفون. وفي رواية حكاها عبدالحميد بن أبي الديلم قال: قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: (يا عبدالحميد إن لله رسلاً مستعلنين ورسلاً مستخفين فإذا سألته بحق المستعلنين فسله بحق المستخفين).

التمهيد للظهور

فعلى هذا متى ما كانت أرضية وإمكانية إقامة العدل الإلهي على ربوع المعمورة وعلى الناس كافة مهيئة فسوف تتحقق عوامل ظهور الإمام وقرب الفَرَج، والأوصياء انما يستترون لعدم إمكانية إظهار دعوتهم وعدم توفر عوامل النجاح في تطبيقها فيضطرون الى الاستتار، ومتى ما أحسوا بعوامل النجاح ظهروا وأشاروا الى أنفسهم. فكذلك الإمام المهدي عليه السلام على هذا الهدي وهذه السنّة الإلهية.