من سيرة الامام الكاظم ـ عمار كاظم

الامام موسى الكاظم عليه السلام تلميذ أبيه الامام جعفر الصادق عليه السلام إمام المسلمين واستاذ العلماء والفقهاء، عاش في كنف أبيه ودرج في مدرسته العلمية الكبرى فورث علوم أبيه وتشبع بروحه وأخلاقه وشب على صفاته وخصائصه فكان مثالا في الخلق الرفيع وفي الكرم والزهد والصبر، ومثالا أعلى في الثبات والشجاعة ومقارعة الطغاة الظلمة، وقد عبر عنه أبيه الإمام الصادق عليه السلام: {الحمد لله الذي جعلك خلفا من الآباء وسرورا من الأبناء وعوضا عن الأصدقاء}. لقب الامام بالعبد الصالح وزين المتهجدين لكثرة عبادته وتهجده، والكاظم لشدة تحمله وصبره على الأذى وكظمه للألم والغيظ ودماثة خلقه ومقابلته الاساءة بالاحسان، وباب الحوائج لوجاهته عند الله وعلو مقامه وقضاء الحوائج على يديه. اشتهر الامام بكرم النفس وسخاء اليد والصدقه في السر والعلن وقضاء حوائج المحتاجين، يحرر العبيد ويقضي دين الغارم ويصل الرحم.
حمل عليه السلام الأمانة بعد أبيه الامام الصادق ونهض بأعباء الإمامة وحفظ علوم الشريعة وقام بنشرها وربى جيلا من العلماء والرواة والمحدثين وسجل لنا التاريخ مناظرات علمية دارت بينه وبين رجال الفكر والفقه في عصره. ورغم أن ظروف الامام السياسية كانت صعبة للغاية من حصار وتضييق ومراقبة وحبسه في السجون والمعتقلات إلا أنه لم يترك دوره ومسؤوليته، فقد ربى جيلا من العلماء والرواة والمحدثين وساهم مساهمة فعالة في إيقاف الانحراف الذي حملته بعض تيارات الفلسفة والعقائد وعلم الكلام المتأثرة بالغزو الفكري والشطط العقائدي.
حوّل الإمام عليه السلام إقامته في السجن إلى فرصة للعبادة المتواصلة كما كانت حالة خارج السجن التي يعيش فيها الفرح الروحي مع الله ليعطي درسا للمؤمنين الذين تفرض عليهم ظروفهم القاسية دخول سجون الظالمين ويتعرضون للكثير من الضغوطات القاسية مما يمارسه السجانون عليهم ليسقطوا مواقفهم ويهزموا روحياتهم يحتاج العاملون إلى استلهام السلوك العبادي الذي كان يعيشه الأئمة الطاهرين الذي يرتفع بالانسان المؤمن إلى آفاق الروحانية العليا التي تجعل العلاقة بالله هي الغاية العظيمة التي يتحرك نحوها في ما يريده لنفسه من حركة وحياة في الاتجاه العملي الذي يعد نفسه له في القيام بمهمة خدمة الاسلام في الدعوة لله والجهاد في سبيله والعمل الدائب من أجل إعادة الاسلام إلى الحياة على مستوى المنهج والشريعة والحركة الشاملة.
وكان عليه السلام يتفقد الفقراء ويحمل إليهم في الليل الزاد ليوصله لهم برعاية انسانية اسلامية تمثل الاصالة الروحية الانسانية في الاحساس بآلام الفقراء ومشاكلهم والتواضع لهم، كما عاش عليه السلام مرحلة الوعي الثقافي للأمة التي أغناها بعلمه واستفاد منها اساتذة المجتمع كله، هكذا اختط الامام عليه السلام لأجيال المسلمين السيرة الفذة والسير في طريق ذات الشوكة رغم الصعاب والمحن فعلم السائرين في هذا الطريق الصبر على مرارة السجون والثبات على الحق والاستهانة بأساليب الجلادين الطغاة ووسائل القهر والارهاب. فسلام عليه يوم ولد ويوم قضى شهيدا في ظلمات السجون ويوم يبعث حيا.