خطبة الجمعة ـ 25رجب1433ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية : أهمية صلاة الجمعة


ـ روى الحر العاملي في الوسائل عن الإمام الرضا (ع) قال: (إنما جُعلت الخطبة يوم الجمعة لأن الجمعة مشهدٌ عام، فأراد أن يكون للأمير سببٌ إلى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم من المعصية، وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق من الأهوال التي لهم فيها المضرة والمنفعة... وإنما جعلت خطبتين ليكون واحدة للثناء على الله والتمجيد والتقديس لله عزوجل، والأخرى للحوائج والأعذار والإنذار والدعاء، ولما يريد أن يعلِّمهم من أمره ونهيه ما فيه الصلاح والفساد).
ـ ما يدفعني لإثارة موضوع صلاة الجمعة بخطبتيها أمران:
ـ الأول: ما دأب عليه البعض من إثارات غير موضوعية ولا علمية في التشكيك في أساس إقامتها.
ـ الثاني: السعي لاستثمار حضور المؤمنين أيام الجمع من خلال ما يطرح على منبر الجمعة.
ـ صحيح أن الفقهاء المعاصرين لم يتفقوا على وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة تعييناً، إلا أن كثيراً منهم قال بوجوبها التخييري، وأن إقامتها أفضل من إقامة صلاة الظهر.
ـ وبلحاظ ذلك أتمنى من الأخوة الأعزاء أئمة الجماعة إعادة النظر في هذا الأمر ما أمكن، وإزالة اللبس العالق في الأذهان، وها نحن نشهد إقامتها في العراق والبحرين والمنطقة الشرقية وعمان والإمارات وسوريا وأوروبا وأمريكا واستراليا والهند فضلاً عن إيران. وأعتقد أن كثيرين منكم ومن الذين يستشكلون علينا إقامتها قد صلوها في زيارتهم للمراقد المقدسة في إيران والعراق وسوريا على الأقل.
ـ وإذا كان البعض يستشكل ببعض الإشكالات التاريخية بأنه مثلاً لماذا لم يصليها الإمام(ع)، أو لماذا لم تصلّ عندنا في الكويت فيما سبق، فهذا لا يتعدى أن يكون استفهاماً يبحث عن جواب، لا إشكالاً يمنع من إقامتها. كما أن المقلِّد يرجع إلى فتوى مرجعه في ذلك، ولا يبني الحكم الشرعي من خلال إشكالاته التاريخية بهذا الخصوص. وقد بيّنت في كتابي الجواب على ذلك كله بما فيها فتاوى المراجع وبالتفصيل.
ـ وأضيف هنا: من قال أنهم(ع) لم يصلوها؟ ثم لاحظوا ما يريده منا أهل البيت(ع) فعن عبد الملك بن أعين عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: (قال: مثلُك يهلك ولم يُصلِّ فريضة فرضها الله؟ قال: قلت: كيف أصنع؟ قال: صلوا جماعة، يعني صلاة الجمعة). وعن زرارة بن أعين قال: (حثَّنا أبو عبد الله (ع) على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: لا، إنما عنيت عندكم).
ـ على كل حال صلب صلاة الجمعة الخطبتان، فلا توجد صلاة أخرى يأتي التشريع من الله سبحانه باستبدال ركعتين منها بخطبتين إلا صلاة الجمعة، وما ذاك إلا لأهمية هاتين الخطبتين.
ـ ومن المهم أن تراعى الأطر العامة لخطبتي صلاة الجمعة كما وردت في الحديث السابق عن الرضا(ع) حتى لو لم تكن الصلاة صلاة جمعة. وللإمام الخميني رحمه الله عبارة جلية في هذا المضمون حيث قال: (ينبغي أن يكون الخطيب بليغاً مراعياً لمقتضيات الأحوال بالعبارات الفصيحة الخالية عن التعقيد، عارفاً بما جرى على المسلمين في الأقطار سيّما قطره، عالماً بمصالح الإسلام والمسلمين، شجاعاً لا يلومه في الله لومة لائم، صريحاً في إظهار الحق وإبطال الباطل حسب المقتضيات والظروف.. أن يذكر في ضمن خطبته ما هو من مصالح المسلمين في دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما جرى في بلاد المسلمين وغيرها من الأحوال الّتي لهم فيها المضرّة أو المنفعة، وما يحتاج المسلمون إليه في المعاش والمعاد، والأمور السياسيّة والاقتصاديّة ممّا هي دخيلة في استقلالهم وكيانهم، وكيفيّة معاملتهم مع سائر الملل، والتحذير عن تدخّل الدول الظالمة المستعمرة في أمورهم، سيّما السياسيّة والاقتصاديّة، المنجرّ إلى استعمارهم واستثمارهم. وبالجملة: الجمعة وخطبتاها من المواقف العظيمة للمسلمين كسائر المواقف العظيمة، مثل الحجّ والمواقف الّتي فيه والعيدين وغيرها، ومع الأسف أغفل المسلمون عن الوظائف المهمّة السياسيّة فيها وفي غيرها من المواقف السياسيّة الإسلاميّة).
ـ وليس بالضرورة أن تكون الخطبة مجرّحة وناقدة بالصورة التي قد تستدعي بعض النتائج السلبية كما قد يتوهم البعض، فالحديث فيما يهم أمور الناس ويعالج قضاياهم الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية وبما يرد على الشبهات ممكن دون الدخول في المحذور السابق الذي قد يكبّل أيدي البعض عن الانطلاق في الخطبة.
ـ كما ينبغي لهذه الخطبة أن تكون سبيلاً لمعرفة كلمة الإسلام في المواقف وقضايا الساعة، لاسيما ونحن نعيش مساحة من الحرية تمكننا من ذلك إذا استفدنا منها بحكمة، أما الانعزال عن تلك القضايا يمثّل خسارة على أكثر من صعيد.
ـ ومن الواضح أن طرح هذه القضايا يستدعي عدة أمور منها:
1. متابعة دائمة للتحديات الفكرية والأخلاقية المستجدة ومعالجتها بالأسلوب الأمثل بعيداً عن الانفعال.
2. متابعة حثيثة لأحداث الساعة على المستويين المحلي والدولي، خبراً وتحليلاً.
3. تنويع مصادر المطالعة في المجالات الفكرية والثقافية والاجتماعية والتربوية والنفسية.
4. الاستئناس بآراء أهل الاختصاص في المجالات المختلفة.
5. تجنب طرح القضايا النظرية البحتة، أو البعيدة عن اهتمام الناس، أو المعالجات غير الواقعية.
6. عدم الاستغراق في القضايا التاريخية بصورة تُبقي التاريخ ماضياً لا ينطلق منه الإنسان لدراسة واقعه ومعالجة أوضاعه: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ) يوسف:111.
ـ وأود أن أؤكد هنا على ضرورة الابتعاد عن طرح ما من شأنه أن يبث الفتنة ويحرّض على الفرقة ويمكّن المتربصين بنا الدوائر أن يتسلّطوا علينا، وبتعبير الباقر(ع): (لا تحملوا الناس على اعناقنا). مع الالتزام بالقاعدة القرآنية : (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) الأنعام:108. وقول أمير المؤمنين(ع): (إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ وَلَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَ دِمَاءَهُمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ وَأهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ).
ـ ومن جانب آخر فإنني أدعو الإخوة المصلين في المساجد أن يتعاونوا مع أئمة المساجد في هذا الشأن، وأن يتواصلوا معهم في بيان قضايا الساعة، وما يهم الناس، وأن يحثّوهم على معالجتها بالصورة السليمة.
ـ كما وأدعوهم إلى إعطاء الأهمية لحضور الخطبتين وللاستماع إليهما، فعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله(ع) قال: (إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتى يفرغ الإمام من خطبته). وهكذا الحال لخطبة صلاة الظهر إن لم تقم الجمعة.
ـ ومن المؤسف أن نجد بعض أئمة المساجد يعزفون عن إلقاء خطبة يوم الجمعة، فهذه مسؤولية يجب أن يتحملوها، فإن لم يكونوا قادرين على ذلك فليفسحوا المجال لمن هو قادر على العطاء، فأكثر من يحضر المساجد في هذا اليوم ينقطع عنها في سائر الأيام، بل وقد ينقطع عن الخطاب الديني طوال الأسبوع.
ـ وأخيراً أقول أن تنوع وسائل الإعلام وتبادل المعلومات ويسرها ومساحة الحرية يحمّلنا مسؤولية توظيفها لنشر خطب الجمعة وعدم حصرها بين جدران المسجد، وأدعو الفضائيات على وجه الخصوص للاهتمام بنقلها بشكل أفضل مما هو عليه الآن.