ذِكْر الله

من الصفات التي يمتاز بها المؤمن عن المنافق وفق التشخيص القرآني هي فيما يتعلق بذكر الله، ففي الوقت الذي مدح فيه القرآن أولو الألباب بقوله: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران:191. قال عن المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) النساء:142.
فالمنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً لأن الله غير حاضر في عقولهم وقلوبهم وحركتهم، بل يتظاهرون بذلك في محاولة خداع فاشلة ستعود عليهم وبالاً.
وقد يقلُّ ذكر الله عند البعض، لا لأنهم منافقون، ولكنهم يعيشون غفلة وحالة من الانشغال بأمور دنياهم بحيث تجعلهم في وضع مشابه لوضع المنافقين، فالمنافقون اختاروا النفاق بإرادتهم، أما الغافل فقد يصدر عنه ذلك سهواً. وبما أن ما كان صفة للمنافقين شئ مذموم، لذا كان من الضروري أن يراجع الإنسان نفسه من حين لآخر، في محاولة لتقييم حالة الذكر عنده لله سبحانه، لئلا يكون من فئة: (وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)، فالإتيان بالذكر من البساطة في الطريقة بحيث عد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَن يتركه أكسل الناس: (أبخل الناس رجل يمر بمسلم ولا يسلم عليه، وأكسل الناس عبد صحيح فارغ لا يذكر الله بشفة ولا بلسان، وأسرق الناس الذي يسرق من صلاته تلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه وأجفى الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصل على وأعجز الناس من عجز عن الدعاء).
فكأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنما هي مسألة تحريك شفتين ولسان.. فما أبسط ذلك من حيث صورة الفعل، إلا أن عظمته ترتقي بمستوى يكون فيه الذكر حالة من الصلاة الدائمة، فقد روى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام قال: (لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله عز وجل قائما كان أو جالسا أو مضطجعا، إن الله عز وجل يقول: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ.. الآية).
فإذا كان الإنسان يتمنى أن يكون من المكثِرين من الصلاة، ولكن ظروفه لا تسمح له بذلك فعليه بالذكر بديلاً يحقق له دوام الصلاة مع دوام الذكر، لاسيما وأنه لا حد للذكر، فعن الإمام الصادق علسه السلام: (ما من شيء إلا وله حد ينتهي إليه إلا الذكر، فليس له حدٌ ينتهي إليه، فرض الله عز وجل الفرائض، فمن أدّاهن فهو حدّهن، وشهر رمضان، فمن صامه فهو حدّه، والحجّ، فمن حجّ فهو حدّه، إلا الذكر، فإن الله عز وجل لم يرضَ منه بالقليل، ولم يجعل له حداً ينتهي إليه، ثم تلا: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبّحوه بكرةً وأصيلاً، فقال: لم يجعل الله حدّاً ينتهي إليه).