خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول الاستعداد للموت


ألقيت الخطبة في 30 يناير 2009
ـ عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: (أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام وشُغُف الأستار نطفة دهاقاً وعلقة مِحاقاً، وجنيناً وراضعا، ووليدا ويافعا. ثم منحه قلبا حافظا ولسانا لافظا وبصرا لاحظا، ليفهم معتبرا، ويُقصِرَ مزدجِرا. حتى إذا قام اعتداله واستوى مثاله نفر مستكبرا وخبط سادرا (أي تخبط متحيرا) . ماتحا في غَرْب هواه (لا يستقي إلا من هواه) ، كادحا سعيا لدنياه. في لذات طربه ، وبدوات أرَبِه لا يحتسب رزية (لا يفكر في وقوعها) ولا يخشع تقية. فمات في فتنته غَريرا، وعاش في هفوته يسيرا. لم يُفِد عوضا (لم يستفد ثوابا) ولم يقْضِ مفترَضا. دهِمته فجعاتُ المنية في غُـبَّرِ جِماحه (ما تبقّى من تعنّته) وسَنَن مِراحه، فظل سادراً وبات ساهرا، في غمرات الآلام، وطوارق الأوجاع والأسقام. بين أخ شقيق ووالد شفيق. وداعية بالويل جزعا، ولادِمةٍ للصدر قلقاً. والمرء في سكرة مُلهية، وغَمرة كارثة وأنَّة موجعة، وجَذبة مُكرِبة، وسَوقة متعبة . ثم أُدرج في أكفانه مُبلِسا وجُذب مُنقادا سلسا. ثم ألقي على الأعواد. رجيعَ وَصَب ونِضْوَ سَقَم (رجع من سفره متعباً ومهزولاً من المرض) تحمله حفدةُ الولدان وحَشَدة الإخوان إلى دار غربته، ومُنقطَع زَورتِه. حتى إذا انصرف المشيع، ورجع المتفجع أقعد في حفرته نجيا لبهتة السؤال وعثرة الامتحان. وأعظَم ما هنالك بلية نزول الحميم وتصلية الجحيم وفورات السعير وسورات الزفير. لا فترة مريحة، ولا دِعة مُزيحة، ولا قوة حاجزة، ولا موتة ناجزة، ولا سُـنَّة مسلِّية بين أطوار الموتات (كل نوبة عذاب كأنها الموت لشدتها) وعذاب الساعات إنا بالله عائذون)