الإمام محمد الباقر

عشنا في بداية شهر رجب الذكرى السنوية لمولد خامس أئمة الهدى الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام، وسيرته مملوءة بالكثير من عطائه الإيماني والروحي والعلمي والفكري والعملي. ومن ذلك اهتمامه في أكثر من موقف بتركيز الصورة المتوازنة للمسلم الموالي لآل البيت عليهم السلام، ولاسيما وأنه بدأ يلحظ ـ في زمانه ـ تبلور معالم الابتعاد عن تلك الصورة لعوامل متعددة، وعلى ضوء كل التشويش الحاصل من خلال الروايات الموضوعة على لسانهم، أو المحرفة في ألفاظها أو دلالاتها. ففي الخبر عنه عليه السلام: (رحم الله عبدا من شيعتنا حبَّبَنا إلى الناس ولم يبغضْنا إليهم. أما والله لو يروون عنا ما نقول ولا يحرفونه ولا يبدلونه علينا برأيهم، ما استطاع أن يُتعلق عليهم بشئ، ولكنّ أحدَهم يسمع منا الكلمة فينيط اليها عشراً ويتأولها على ما يراه).
النُّمرُقة الوسطى :
ومن بين تلك المواقف التي سعى الإمام الباقر عليه السلام لتركيز الصورة السليمة للمسلم الموالي ما رواه الكليني في الكافي أنه قال: (يا معشر الشيعة، شيعةَ آلِ محمد، كونوا النُّمْرُقةَ الوسطى [وهي الوسادة التي يتكأ عليها الإنسان، والجمع نمارق، قال تعالى: "وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ"] يرجع إليكم الغالي، ويلحق بكم التالي. فقال له رجل من الأنصار يقال له سعد: جعلت فداك، ما الغالي؟ قال: قومٌ يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، فليس أولئك منا ولسنا منهم. قال: فما التالي؟ قال: المرتاد يريد الخير، يبلغه الخير يوجر عليه. ثم أقبل علينا فقال: والله ما معنا من الله براءة ولا بيننا وبين الله قرابة ولا لنا على الله حجة ولا نتقرب إلى الله إلا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعُه ولايتنا، ومَن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا. ويحكم لا تغتروا، ويحكم لا تغتروا).
فالإمام يريد من شيعة آل محمد:
1. أن يمثّلوا الاتزان في العقيدة والعمل، بما يمثل الحالة الوسطية ما بين المغالين فيهم، وما بين سائر الناس من الذين يريدون الخير دون أن يعرفوا طريق الوصول إليه. والأساس في توضيح معالم هذا الطريق ما جاء في خبر الشيخ الطوسي عن جابر الجعفي قال: (دخلنا على ابي جعفر محمد بن علي عليه السلام ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا فودعناه وقلنا له: أَوْصِنا يا ابن رسول اللّه، فقال: ... ولا تحملوا الناس على اعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا فإن وجدتموه والقرآن موافقاً فخذوا به، وان لم تجدوه موافقاً فردوه، وان اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردوه الينا، حتى نشرح لكم من ذلك ما شُرح لنا...).
2. ويكونوا الهداة للمغالين فيهم بدلالة كلمة (يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي)، فلا يكفي أن تحمل أنت فكراً نقياً، بل لابد وأن تترجمه إلى عمل يجذب إليك الناس، وتحوّله إلى دعوة تشرح قلوب الناس.
3. أن تكون طاعة الله هي عنوان الولاية لمحمد وآله عليهم السلام، لا مجرد الاسم وادعاء المحبة، فقد كانت الطاعة لله هي عنوان حياة الأنبياء والأئمة والملائكة: (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) الأنبياء:26 ـ27.