خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول البهتان


ألقيت الخطبة في 30 يناير 2009

ـ (وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) (النور:16)
ـ ترتبط بقضية الإفك.
ـ معنى البهتان:
الكذب الذي يُبهت ويُدهش ويُحير سامعه لفظاعته، قال الله عز وجل: ( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) (البقرة: من الآية258) أي دهش وتحير. ثم أضافت الآية (عَظِيمٌ) لزيادة الفظاعة ولربما لخصوصية علاقة الامر بالنبي.
ـ في القرآن نوعان من البهتان:
1ـ بهتان قولي كآية الإفك.
2ـ بهتان فعلي: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء:20-21) فهو فعل باطل ـ كما أن الكذب قول باطل ـ وهذا الفعل الباطل لا يتوافق مع الحق والحقيقة يدهش ويحير لفظاعته.
ـ موارد البهتان:
البهتان قد يكون في القضايا ذات البعد الاجتماعي، كما قد يكون في القضايا ذات البعد السياسي والثقافي والعلمي والتاريخي.. إلخ.
ـ التركيز في القرآن:
ولكن في القرآن التركيز على الجانب الاجتماعي حين استعمال مصطلح البهتان، لاسيما قضايا العلاقة بين الجنسين في الإطار الشرعي أو المحرم. لاحظ الآية السابقة فيما يرتبط بالعلاقة في الإطار الشرعي. ولاحظ: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً) (النساء:156) وأيضاً الآية التي هي مورد بحثنا، وحتى فيما كان من نوع البهتان الفعلي يرتبط بالعلاقة بين الجنسين.
ـ الحيطة والحذر:
وهذا يعكس أهمية التعامل بحيطة فيما يرتبط بهذا الجانب وخطورة التهاون فيه، في الوقت الذي يتعامل فيه كثير من الناس على أنه أمر هين وبسيط ولا يتعدى أن يكون كلاماً وهذا ما عكسته الآية القرآنية (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور:15).
ـ وما يؤكد عظم خطورة هذا الأمر تكرار هذه العبارة:
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (النور:10) (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور:14) (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (النور:20) (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ...) (النساء:112-113) ـ الاستفادة من التجارب:
يعلمنا الإسلام أن نستفيد من تجاربنا وأن نبحث عن الإيجابيات في كل الأمور السلبية التي قد نواجهها، فإن كثيراً من الأشياء السلبية تختزن في وجودها أمورا إيجابية، ولكن المهم أن نعرف كيف نستفيد منها وأن لا نستغرق في السلبيات حتى تحيط بنا وتخنقنا (إنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (النور: من الآية11) لأن المجتمع الصالح من سعادته أن يتميز فيه أهل الزيغ والفساد ليكونوا على بصيرة من أمرهم وينهضوا لإصلاح ما فسد من أمرهم. (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216) ـ الموقف السليم:
1ـ الموقف الأخلاقي الإنساني (لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ والمؤمنات بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هذا إِفْكٌ مُّبِينٌ) أي اجعل نظرتك للآخرين في ضمن مجتمعك الإسلامي كنظرتك إلى نفسك، فهل يظن الإنسان بنفسه الشر وينسب إليها ذلك؟ فالمسلمون كيان واحد.
2ـ الموقف القانوني (لَّوْلاَ جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شهداء فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بالشهداء فَأُوْلَـئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الكاذبون).
3ـ الموقف العملي (وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) (النور:16)
ـ لماذا البهتان؟
إن الدنيا لا تغني عن الآخرة شيئاً، فماذا نربح حين ننسب إلى الآخرين ما هم منه براء لمجرد أن نشغل أوقاتنا؟ أو لأننا لا نحبهم فيسوغ لنا حينئذ أن نبهتهم، وحتى لو كنا نتصور أن فيه الراحة بأن ننفِّس عن أحقادنا، ولكن هذه الراحة كاذبة، فالبهتان يهدم الديار ويعود أثره على الكاذب نفسِه ففي الخبر (من رمى الناس بما فيهم رموه بما ليس فيه) ولنتذكر أن الله خصيمنا كما أن الناس سيكونون خصماءنا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج:1).
9