خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول ترتيب أولويات مجلس الأمة ج2


ألقيت الخطبة في 27 مارس 2009

ـ (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الْأِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(الأنعام:143-144) ـ فكرة الآيات 136 ـ 150 استعراض للبدع التشريعية عند مشركي مكة فيما يرتبط بالأنعام. وإنكار من الله سبحانه لها ومطالبتهم بالإتيان بالبراهين على أنها من عند الله.
ـ ولكن الملفت للنظر أن الله سبحانه حوّل القضية في الحديث عن التحريم إلى جوانب أخرى هي الأساس في تنظيم الحياة وتكوين الشخصية الإيمانية، فقال (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(الأنعام:151-153).
ـ فإذا أردتم الحديث عما هو حرام، فهذه هي أولوياتكم، وهذه هي التي يجب أن تبحثوا فيها وتطبّقوها على حياتكم.
ـ على مستوى الفرد أولوياتنا في التدين غير سليمة، فالتركيز قائم على جانب محدد من الفقه الفردي، حتى تجد أن الرجل بعد كل هذا العمر من الحضور في المساجد والحسينيات في قمة الاحتياط والاهتمام بوضوئه وغسله، وفي قمة سوء الخلق في علاقته بأسرته، في حال أن النبي يقول: (خيركم خيركم لنسائه وبناته) (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لأهله) (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم خلقاً وخيركم لأهله). علي: (لا يكن أهلك وذوو ودك أشقى الناس بك) وأوصى علي الحسن وولده وأهل بيته: (الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به نبيكم أن قال: أوصيكم في الضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم) وقال الصادق: (رحم الله عبداً أحسن فيما بينه ووبين زوجته، فإن الله عزوجل قد ملّكه ناصيتها، وجعله القيم عليها). فهل لأحد يتشيع حجة؟
ـ على المستوى العام ما كان يدور في المجلس الأمة طوال سنوات وينحل المجلس على أساسه أوتنشغل به وسائل الإعلام وتسقط من خلاله الوزارة شبيه بالحديث عن الأنعام المحرمة. وهكذا بالنسبة للسلطة التنفيذية في برنامجها.
ـ التجربة السنغافورية: (لي كوان يو) أول رئيس وزراء لسنغافورة ترأس الحكومة من 1959 الى 1990. وقد شهدت سنغافورة خلال حكمه نقلة كبيرة تحولت فيه من بلد نامي إلى واحدة من أكثر دول العالم تقدما.
ـ استقلت في العقد السادس من القرن العشرين، كانت مجرد محطة تجارية نائية ثلاثة أرباع دخلها من عائدات
القاعدة العسكرية البريطانية و دخل الفرد الحقيقي أقل من 1000 دولار في السنة.
ـ أصبحت الآن حاضرة عالمية مزدهرة تمتلك أنجح شركة طيران في العالم، وأفضل مطار جوي، وأنشط ميناء بحري، وتحتل المرتبة العالمية الرابعة في متوسط دخل الفرد ويبلغ 30.000 دولار أمريكي
ـ اتخذ (لي كوان يو) عدة قرارات حازمة لتحقيق هذه النقلة النوعية:
1ـ تحديد النسل بشكل حازم، ولما تحقق الهدف وفق الدراسات العلمية غيرت الدولة سياستها السكانية في باعتماد برنامج يهدف لتحفيز المواطنين لزيادة النسل، مع تخصيص ميزانية تقد بـ 300 مليون دولار.
2ـ التعليم: بالتعميم والتحديث باعتماد أفضل المناهج في العالم، والآن تتصدر بلده الأولمبياد الدولي في امتحانات المواد العلمية
3ـ التوظيف: اعتمد بيروقراطية صغيرة الحجم ذات كفاءة عالية (قوامها حوالي 50 ألف موظف لا أكثر) وعلى درجة كبيرة من المهنية والتعليم والثقافة، وأن يتم التعيين في الوظائف عبر مناظرات عامة مفتوحة للجميع، ويحصل موظفو القطاع العام على رواتب تنافسية مثل القطاع الخاص إن لم يكن أعلى
4ـ اعتماد الشفافية وانخفاض نسبة الفساد الاداري والمالي إلى حد أن سنغافورة تتصدر المراتب الأولى لمؤشر الشفافية الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية.
5ـ قرارات صارمة حول البيئة والنظافة: وتعد سنغافورة الآن من أكثر بلدان العالم نظافة
6ـ تحقيق الأمن الوطني الداخلي.
ـ (لي كوان يو، كان يحلم بأن يبني وطناً للناس وليس له. ولذلك بنى المصانع لا الإذاعات، وأمر الناس بالعمل لا بالإصغاء إلى الاذاعة. وأغلق السجون ليفتح المدارس. وطبّق حكم القانون لكنه لم يحوّل بلاده إلى سجن تُطعَم فيه الفئران كوجبات دسمة، كما لدى جارته بورما. وكان قبل أي شيء حريصاً على الكرامة البشرية، فحارب الفقر بالدرجة التي عارض فيها نفوذ أمريكا. وجعل لكل مواطن بيتاً بدل أن يكون لكل ألف مواطن كوخ من الصفيح. ويكاد لا يوجد في سنغافورة شيء لم يلحظه بصره أو ترقبه عيناه المتيقظتان: بدءاً من اختيار النباتات والشتلات لتحويل سنغافورة إلي واحة خضراء غناء، وانتهاء بحثِّ الشباب - بشكل سافر وصريح وجريء ـ على الزواج من فتيات على نفس مستواهم الثقافي).
ـ نحن بحاجة إلى مثل هذه العقليات التي تريد أن تنتشل البلد مما هي عليه اليوم، في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبيدكم أنتم ـ لا من خلال اللامبالاة والبحث عن المصالح الضيقة ـ بل من خلال اختيار مَن يكون بهذا المستوى،
وإلا ليس لأحد الحق في التبرّم من سوء أداء الجهازين. (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الروم:41).