خطبة الجمعة ـ 27جمادى الآخرة 1433 ـ الأولى ـ الشيخ علي حسن : استقبال شهر رجب


ـ يهلّ علينا خلال هذا الأسبوع شهر رجب الحرام، وهو شهر مبارك يحفل بالعديد من المناسبات الإسلامية، ومنها ذكرى مولد واستشهاد الإمام علي الهادي، ومولد الإمام محمد الباقر ومحمد الجواد عليهم السلام أجمعين، وفي الثالث عشر منه مولد أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام، واستشهاد الإمام موسى الكاظم عليه السلام في الخامس والعشرين منه. كما نلتقي بذكرى المبعث الشريف في السابع والعشرين منه، والإسراء والمعراج على رواية وغير ذلك.
ـ ويعتبر شهر رجب بداية لموسم عبادي هام يستمر إلى نهاية شهر رمضان، وهي شهور يفيض الله فيها على عباده الرحمة والمغفرة والبركة، ويفترض بالعبد أن يكون شكوراً لهذه النعمة بتقديرها واغتنامها، عبادة ورجوعاً إلى الله، وأن
ينطلق من خلاله للاستعداد لاستقبال شهر رمضان دون أن يفاجأ به روحياً وجسدياً، بل يكون في حالة تكاملية خلالها.
ـ وكون هذا الشهر من الأشهر الحرم فهذا يعني أنه من الأشهر التي يفترض في الإنسان المسلم أن يعيش فيها السلام، أي أنه شهر يضبط فيه الإنسان إيقاع قوته الغضبية لتتناسب مع عنوان السلام، وليوظف بالتالي نتائج هذا التمرين الميداني العملي في سائر أيام حياته. وقد استمر الجاهليون في حفظ عنوان حرمة هذا الشهر بعد أن شرّعه لهم الخليل إبراهيم عليه السلام، فهل هم أولى به منا وقد قال تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران:68.
ـ كل هه القيمة لهذا الشهر كانت تدفع النبي صلى الله عليه وآله لأن يخطب في أصحابه ليعدّهم لاستقباله، فعن عبد الله بن عباس قال: (كان رسول الله(ص) إذا جاء شهر رجب جمع المسلمين من حوله وقام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر مَن كان قبله من الأنبياء فصلى عليهم، ثم قال(ص): أيها المسلمون، قد أظلّكم شهر عظيم مبارك وهو الشهر الأصب يصب فيه الرحمة على من عبده، إلا عبداً مشركاً أو مظهر بدعة في الإسلام.. من صام يوماً واحداً في رجب أُمن من الفزع الأكبر وأُجير من النار.. شهر رجب هو شهر عظيم الخير).
ـ وفي خبر: (رجب شهر الاستغفار لأمتي، فأكثروا فيه من الاستغفار فإنه غفور رحيم).
ـ أبوحمزة الثمالي صاحب إمامنا زين العابدين(ع) يقول: (سمعت علي بن الحسين(ع) يدعو في الحِجر في غرّة رجب، فأنصتُّ إليه وكان يقول: يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمير الصامتين، لكل مسألة منك سمع حاضر، وجواب عتيد، اللهم ومواعيدك الصادقة، وأياديك الفاضلة، ورحمتك الواسعة، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن
تقضي حوائجي للدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير).
ـ وروي أنه كان الإمام الصادق(ع) إذا دخل شهر رجب يدعو بهذا الدعاء وفي كل يوم من أيامه: (خاب الوافدون على غيرك، وخسر المتعرضون إلا لك، وضاع الملمّون إلا بك، وأجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك، بابك مفتوح للراغبين، وخيرك مبذول للطالبين، وفضلك مباح للسائلين، ونيلك متاح للآملين، رزقك مبسوط لمن عصاك، وحلمك معترض لمن ناواك، عادتك الإحسان إلى المسيئين، وسنّتك الإبقاء على المعتدين، اللهم فاهدني هدى المهتدين، وارزقني اجتهاد المجتهدين، ولا تجعلني من الغافلين المُبعدين واغفر لي يوم الدين).
ـ فلننطلق في هذا الشهر في علاقتنا مع الله بما يحمله من عنوان الرحمة والتوبة، أن نقول لربنا عندما ندخل في ساحات رحمته في هذا الشهر وما بعده: يا ربنا، إننا عبادك الخاشعون لك، المطيعون لك، وفّقنا يا ربنا من أجل أن نطهّر أنفسنا من كل ما يغضبك ويسخطك، وأن نحصل على رضاك ولا شيء إلا رضاك، لأن رضاك هو الفوز العظيم والسعادة الكبرى.
ـ ولننطلق في هذا الشهر في علاقتنا مع الناس بما يحمله من عنوان السلام، أن نطلب من الله أن يوفّقنا من أجل أن نحب بعضنا بعضاً، وأن نساعد بعضنا بعضاً، وأن نتعاون على البر والتقوى ولا نتعاون على الإثم والعدوان، وأن نستزيد فيه من الرحمة وعمل الخير والعفو والتسامح، لنفتح قلوبنا لله ليغسلها من كل حقد وبغض ونية سوء.