مقابلة مع الأب عادل ثيودور خوري

الأب البروفسور عادل ثيودور خوري، متخصص في علوم الأديان وتاريخ الحضارات والفلسفة واللغات العربيّة والفرنسيّة والألمانيّة والإنكليزيّة واللاتينيّة واليونانيّة. نقل معاني القرآن الكريم إلى الألمانيّة، له دور في الحوار بين الأديان عموماً وبين المسيحيّة والإسلام خصوصاً، وهو من المطالبين بالمصالحة والتّصافي والتّعاون في سبيل خدمة البشريّة بلا حدود أو هويّات أو انتماءات.. وفي حوار أجري معه مؤخراً حول الإسلام كانت هذه النقاط:
س: الحوار الإسلامي المسيحي هو من بين مفردات حديث القرآن مع أهل الكتاب، وخصوصاً النّصارى، انطلاقاً من أسلوب الإقناع في خطاب الفكر، وليس إلغاء الآخر. ما تعقيبكم على ذلك؟
ج: يوجد عندي بعض النّقاط في هذا الموضوع، فالحوار له مجالات متعدّدة ترتكز كلّها على منهج له بعض الأشكال، وخصوصاً في التّبادل الفكري..
أوّلاً: مبدأ البحث عن الفهم الصّحيح وعن الأسلوب النّاجح في عرض ما تمّ فهمه، حتّى نستطيع إيصال ما فهمناه إلى الآخر.
ثانياً: مبدأ محاولة فهم الآخر، كما يفهم هذا الآخر ذاته، والحوار فيما يتعلّق بالفهم المتّفق عليه، وليس بعض النّواحي أو الأفكار أو الآراء الفرديّة، لأنّ هذا الحوار هو حوار أديان، وليس حوار أفراد، وأن يكون العاملون في الحوار من أصحاب الاختصاص، لئلا يختلط الفهم الموروث النّاقص عند عامّة المؤمنين في دين معيّن بنتائج الفكر الصّحيح.
ثالثاً: القرآن الكريم يدعو إلى مجادلة المسيحيّين أو النصارى، كما يقول، بالّتي هي أحسن، ويقول: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: 125]، والقرآن يدعو النّبيّ نفسه إلى ذلك، وهذا موقف أسلوب الإقناع، ويعرض عن الترفّع عن الحوار، حتى إنَّه في نصٍّ موجّه إلى المشركين يقول: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[سبأ: 24]، أي أنّه وضع نفسه على مستوى واحد معهم في مسألة الحوار، فكيف يكون موقفه إذاً من المسيحيّين الّذين أكّد أنّهم أقرب النّاس مودّةً للّذين آمنوا، أي للمسلمين، وهذا ما ينادي به أيضاً المجمع الفاتيكانيّ الثاني في الكنيسة الكاثوليكية، وعند المسيحيّين إجمالاً، إذ يحضّ على القيام بحوارٍ أخويّ متّسم بالاحترام والانفتاح وتقدير ما يحتوي الدّين الآخر من حقّ وقيم أخلاقيّة وروحيّة.
س: كيف تقيّمون التّجارب الحواريّة في الدّائرة الثقافيّة لدى المسلمين والمسيحيّين ماضياً وحاضراً، هل المسألة لدى المسيحيّة ولدى الإسلام هي تثبيت وتركيز، أو مجرد حماية المواقع الدينيّة لكلّ منهما؟
ج: في الواقع، إنّ التجارب الحواريّة في الماضي، كانت في أكثرها محاولةً للدّفاع عن حقيقة الدّين الخاصّ في كثير من الأحيان، وهذا من الطّرفين، الطرف المسيحي والطّرف الإسلامي، في مزيجٍ من محاولة الإقناع بصحّة الدّين الخاصّ، والتّقريع على ضلال الدّين الآخر.. هذا ما كان في الماضي، وعندنا مجموعة كتب تحت إشرافي، هناك حالياً حوالى 30 عدداً من السلسلة الحمراء اسمها (في الحوار والتّعاون)، في هذه الكتب جمعت الحوارات القديمة والمناقشات.. وفيها الكثير من التّقريع وقليل من الحوار، وحاولنا في انطلاقةٍ جديدة أن نجمع في هذا التّراث الحواريّ القديم ما هو غير صدامي بالنّسبة إلى العلاقة مع الآخرين، وقد صدر كتاب في هذا الموضوع.. وأنا عرضت بنفسي محتويات الجدال في عصور الإمبراطوريّة البيزنطيّة في القرون الوسطى في اللّغة اللاتينيّة، وكانت النتيجة نفسها، وهي الدّفاع عن الدّين الشّخصي، والتهجّم على الدين الآخر.. أمّا في التراث المسيحي اللاتيني الغربي، فهو سلبيّ في معظمه، ما عدا بعض المحاولات الّتي بذلت لتحسين مواضيع ومناهج الحوار مع المسلمين.. أختصر القول بالتّأكيد أنّ التيّار الغالب في الماضي حتّى القرن العشرين، كان مهتمّاً بالدّفاع عن الدّين الخاصّ والنّيل من الدّين الآخر، مع وجود بعض التوجّهات الّتي كانت تحاول الانفتاح.. نحن اليوم نركّز على هذه المحاولات الّتي كانت تسعى للانفتاح، لكي ننفتح أكثر، ونجد تخطيطاتٍ ومخطّطاتٍ جديدةٍ للتّقارب الأكبر.
س: هل يمكن القول إنّ العودة إلى الجذور الإيمانيّة في الشّرق والغرب ظاهرة اجتماعيّة صحيّة تساعد على التّقارب بين الشعوب والحضارات؟
ج: هذا يتوقّف على كيفيّة فهم الدين من الطرفين، ولا يوجد اتفاق بين الشّرق والغرب على هذا الموضوع، أمّا القيم الأخلاقيّة المشتركة لكلّ مجتمع، فهي مشتركة بين المسيحيّين والمسلمين، فالوصايا الّتي وردت في سورة الإسراء، هي نفسها نقرأها في الكتاب المقدّس، يعني هناك اتفاق واضح في مسألة القيم. فالرّجوع إلى الفكر الدّيني والتّركيز على القيم الأخلاقيّة، هي أمور تمهّد السّبيل إلى تقارب أكبر بين الغرب والشّرق. ولكن للأسف، نحن غائصون في معركة لا أجد لها معنى، فهذه المناظرات والمشادات والحروب لم يكن لها جدوى في الماضي ولا جدوى لها الآن.. الأديان كلّها تسعى إلى السّلام والعدل، وإلى الأخوّة بين البشر، لأنّ الإنسان إنسان، والله جعلنا شعوباً مختلفة على الأرض ليتعارفوا ولم يقل ليتناحروا، وهذا ما نقوله نحن.. وأنا لا أزال أرجو أن أرى يوماً تتحوّل فيه الأفكار إلى هذا المنحى، وليس فقط إلى المكاسب الاقتصاديّة أو السياسيّة، حتّى نعيش بسلام.
س: ما هي رسالة القرآن الكريم والإنجيل المقدّس لشعوب العالم؟
ج: هناك أمران، فالقرآن يركّز دائماً على مفهوم الرّحمة ورضا الله، والمسيحيّة تركّز على المحبّة ورضا الله تعالى، وبين الرّحمة والمحبّة هناك تقارب كبير، فإذا قمنا بتركيز علاقاتنا مع بعضنا البعض على أساس الرّحمة والمحبّة، ينتج عندها العدل والسّلام، وإذا ركّزنا على هذه المفاهيم والقيم الموجودة في كتبنا المقدّسة، يكون هناك أمل ورجاء أن تتحسّن أوضاع العالم.. السيّد المسيح يقول في الإنجيل: أحبّوا كلّ النّاس حتّى أعداءكم، فإذا كنّا سنحبّ أعداءنا، فكيف بأصدقائنا، كيف بإخواننا! أرجو أن تكون علاقاتنا في الحاضر والمستقبل تحت سقف رضا الله، وأن تكون علاقات المودّة والمحبّة هي الحاضرة.