خطبة الجمعة 6 جمادى الآخرة 1433ـ الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى : شكر النعم


ـ {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} النحل:53.
ـ تحيط النعم بالإنسان، سواء أكانت القوى الذّاتيّة، أو العوامل الخارجيّة الّتي تمدّه بأسباب الحياة، أو تسهِّل له استمرارها بشكلٍ أفضل. والأسباب المباشرة التي حققت النعمة هي بذاتها تقوده إلى الله الّذي خلق السّبب وأودع فيه سرّ السببيّة، وأنّه هو الّذي خلق الإنسان، وألهمه عمل ما يقوم بعمله، أو صنع ما يقوم بصناعته من أدوات النّعم.
ـ لكنّ الإنسان يغفل عن ربّه، ويستمرّ في غفلته، فينساه حين يشكر مُحسناً على عطائه، أو طبيباً على العلاج الذي يصفه، أو المعلم على المعلومة التي يقدمها، وهكذا.. هو ينسى أن مالك هذه النعمة في الأساس هو الله جل وعلا كما قال سبحانه على لسان الخليل إبراهيم(ع): (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء:78-80. وحين ينسى ذلك ينسى معه الالتزام بطاعته، والذي يمثل صورة مهمة من صور الشكر.
ـ ثم تأتي الصّدمة في لحظةٍ من حياته فتهزّ وجوده، وترجعه إلى وعيه وصوابه، فيكتشف حاجته إلى الله من جديد، ويلجأ إليه في ابتهال المضطرّ الخائف الرّاجي الّذي يتوسّل إلى ربّه ليكشف عنه ما أصابه من ضرّ: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}، أي ترفعون أصواتكم إليه مستغيثين به.
ـ وقد يكون الإنسان هنا من المنكرين لله، أو من المشركين به أو المشركين بعبادته، وقد يكون من الغافلين عنه، ولكنّ الفطرة العميقة المتّصلة بكلّ خلجة من خلجات المشاعر، وبكلّ نبضةٍ من نبضات القلوب، وبكلّ حركةٍ من حركات العقل، تستيقظ وتتحرّك وتهمس للحسّ وللقلب وللعقل بكلمة الله، ليعيش الإنسان معها من جديد، فيحسّ بالحنان والحبّ والعاطفة، تهوي عليه من علياء الله الّذي يعفو ويسامح ويرحم ويغفر، فلا يشعر الإنسان بوجود حواجز تحول بينه وبين الأمل بالرّحمة الّتي تكشف الضرّ عنه، وتفرّج عنه غمّه وهمّه وكربه، تماماً كما تصدح الأصوات في دعاء الجوشن الكبير: (يا عُدَّتى عِنْدَ شِدَّتي يا رَجائي عِنْدَ مُصيبَتي يا مُونِسي عِنْدَ وَحْشَتي يا صاحِبي عِنْدَ غُرْبَتي يا وَلِيّي عِنْدَ نِعْمَتي يا غِياثى عِنْدَ كُرْبَتى يا دَليلي عِنْدَ حَيْرَتى يا غَنائى عِنْدَ افْتِقارى يا مَلجَئي عِنْدَ اضْطِرارى يا مُعينى عِنْدَ مَفْزَعى) وفي أدعية شهر رمضان فيما رواه الكليني عن الصادق عليه السلام: (اَللّهُمَّ اِنّي بِكَ وَمِنْكَ اَطْلُبُ حاجَتي، وَمَنْ طَلَبَ حاجَةً اِليَ النّاسِ فَإِنّي لا اَطْلُبُ حاجَتي إلاّ مِنْكَ وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ) وهي الصورة التي يجب أن يعيشها المؤمن في الشدة والرخاء ليؤكد من خلالها كل الإخلاص في الإيمان بوحدانية الله، وفي اللجوء إليه.
ـ (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً) الحج:40.