مُذكّرات مُراهق ـ الجزء السادس

كانت جدّتي – في أوقات هدوئي وصفائي – تقول لي: إنّ قلب أمّك وأبيك أكبر ممّا تتصوّر.. إنّهما لن يغضبا عليك، وإنّما يغضبان على تصرّفاتك الحمقاء، وثق إنّهما يسامحانك قبل أن تعتذر إليهما، بل حتّى إذا لم تعتذر إليهما، وتقرِّب لي الصورة أكثر، فتقول: عندما كنتَ (تسقط) على الأرض وأنتَ طفل صغير لا تقوى قدماك على المشي.. كانت قلوبهما (تسقط) على الأرض معك، لأنّهما يعرفان إنّك صغير لم تُحسن المشي، وقد تؤلمك السّقطة..
واليوم حينما (تسقط) في كلامك أو تصرّفاتك.. يُدركان أيضاً أنّك لم تتعلّم بعد (السّير) في الطريق الصحيح للحياة، ولذلك يعذرانك.. فقلب الوالدين – يا ولدي – ليس كقلب الولد.. إنّه أكثر رحمة وأشدّ شفقة.
ثمّ تقرص أذني قرصة صغيرة، وتقول: سقطة واحدة أو سقطتان مغفورتان، ولكن إيّاك أن تكثر السقطات يا ولدي.. فقلبنا أمّك وأبيك لا يتحمّلا الصدمات خصوصاً التي تصدر عن الأبناء.
ولابدّ لي هنا من أن أؤكِّد – من خلال ما تبيّن لي لاحقاً في دراساتي التربوية والنفسية – أنّ المراهق مستعدّ لقبول التربية على خلاف ما يتصوّره بعض الآباء، وإنّه يراعي متطلّبات الدِّين والأخلاق، فهو من أنصار الطهارة والصلاح، وهو يتحسّس – بدرجةٍ كبيرة – الفساد وسوء الخلق وعدم الإنصاف، وهو على درجة عالية من الفهم والذكاء، والدهاء – علاوة على ذلك – له قابلية على تصحيح أخطائه، كما أنّ قدرته الجسدية والعصبية تمكِّنه من إنجاز أعمال مهمّة في شتّى المجالات، وأمّا نزوعه إلى الاستقلالية، فيجعله يقوم بالأعمال الموكلة إليه بشيء من الإبداع والإبتكار.