الشهيد الصدر: نقلة نوعية في عالم الفكر

نتحدّث عن شخصية اسلامية في حجم السيد محمد باقر الصدر الذي استطاع ان يفتح للتفكير الاسلامي أفقاً جديداً لم يُعهد من قبل في التفسير العميق للمفاهيم الاسلامية في حركة الانسان في الحياة، وللتأصيل المنهجي للمذهب الاقتصادي في الاسلام، وللانفتاح على واقع الانسان كله في عملية تزاوج حركي بين الانسان والطبيعة، وبين الانسان والانسان في حركة الوجود في مسؤوليته التي يتكامل فيها تكويناً أو ارادة بين يدي الله، واستخلاص المفهوم الذي يحدّد للانسان علاقته بالطبيعة ومنها الأرض وعلاقته بالانسان الآخر وعلاقته بالله من خلال التفاعل بين هاتين العلاقتين.
ثم انطلق ليكتشف السنن التاريخية في القرآن، حيث يشعر الانسان عندما ينطلق في حركة التاريخ أنه حتى وهو يمارس الفوضى لا يمكن للفوضى الا ان تكون خاضعة لنظام، باعتبار ان هناك سنناً تاريخية تحكم حركة الانسان وتمثل الخطوط العامة لحركته الانسانية بطريقة شعورية أو لا شعورية، لأن القوانين الحتمية التي أودعها الله في الكون وحرّكها في الحياة ليست دائماً حالة شعورية في الكائن الحي، بل قد تنطلق لتحكمه من خلال نظام دقيق يمكن ان يكون للارادة دوراً، بحيث يتحرك في السنّة التاريخية لتكون ارادته جزءاً من هذه السنّة.
لقد اكتشف الشهيد الصدر بعضاً من هذه القوانين، وأصّلها، وبعبارة أخرى استطاع ان يتحرك بالاكتشاف الى قاعدة للتأصيل وأن يُطلق القاعدة المؤصلة من أجل اكتشافات جديدة، ومن هنا فقد شعرنا ونحن معه ونحن بعده، ان الفكر الاسلامي كان شيئاً قبل ان يجيء السيد محمد باقر الصدر وصار شيئاً آخر بعد ان ودّع الحياة محدثاً بذلك نقلة نوعية في عالم الفكر، ولم يكن السيد محمد باقر الصدر انساناً يفكر في المطلق أو انساناً يعيش في صومعة العلم ليجلس بين مفرداته ليكتشف منها ما يكتشف وليؤصل منها ما يؤصّل، ولكنه كان انسان المسؤولية في الحياة.