خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول وصية الإمام جعفر الصادق


ألقيت الخطبة في 24 أكتوبر2008

ـ المستشار عبد الحليم الجندي: (ت 2000) كان عالما فقيها موسوعيا‏‏ له أكثر من عشرين مؤلفا‏ً‏ يتضمن كل مؤلف اجتهادات وإضافات جديدة‏،‏ وله كتاب ‏(‏القرآن والمنهج العلمي المعاصر‏)‏ والذي دلل فيه أن المنهج العلمي المعاصر الذي يُنسب إلي المفكر الإنجليزي فرنسيس بيكون في القرن 17 الميلادي,‏ إنما أخذ عن علماء المسلمين.
ـ [ وبهذا التخصص سلم الأمة مفاتح العلم النبوي ومنه يبدأ التأصيل الواضح لمنهج علمي عام للفكر الإسلامي، نقلته أمم الغرب فبلغت به مبالغها الحالية . وعمل به بين يديه ، ثم أعلنه ، تلميذه جابر بن حيان أول كيمائي كما تبايع له " أوروبة الحديثة " ، وهو " منهج التجربة والاستخلاص " ، أي الاعتبار بالواقع وتحكيم العقل ، مع النزاهة العلمية . فالإمام الصادق هو فاتح العالم الفكري الجديد ، بالمنهج العقلاني والتجريبي ، كأصحاب الكشوف الذين فتحوا أرض الله لعابديه فدخلوها آمنين . والإمام الصادق هو الإمام الوحيد في التاريخ الإسلامي ، والعالم الوحيد في التاريخ العالمي ، الذي قامت على أسس مبادئه " الدينية والفقهية والاجتماعية والاقتصادية " دول عظمي . ومصر تذكر منها أكبر دولة عرفها التاريخ فيها من عهد الفراعنة - الدولة الفاطمية - التي امتد سلطانها من المحيط الأطلسي إلى برزخ السويس . ولولا هزيمة جيوشها أمام الأتراك لخفقت أعلامها على جبال الهملايا في وسط آسيا . والعالم كله مدين لها بمدينة القاهرة . والمسلمون يدينون لها بالجامع الأزهر ، الذي حفظ القرآن والسنة واللغة العربية ، وعلومها كافة . ويدينون لتعاليم الإمام بقيام دولة كبيرة في إيران . ومجتمع عظيم بالعراق . ومعاهد علمية يتصدرها النجف الأشرف ، وشعوب قوية في الهند وباكستان واليمن وأفغانستان ووسط آسيا ولبنان وسورية كثير سواها . وهو الإمام الذي علم بالمواقف التي وقفها ، قدر ما علم بالمبادئ التي أرساها . فالمواقف أعمال . وهي أعلى صوتا من الأقوال. ولقد يعدل الموقف الواحد جهاد عمر كامل ، أو مهمة حياة رجل . وهو ، بمكانه من " أهل البيت " ، وحقه في الخلافة ، وإمامته للفقهاء بلا استثناء ، كان غرضا يطلبه أعظم خلفاء بنى العباس ليضيفه إلى قوائم القتلى من صناديد القواد ، أو الشهداء من " أهل البيت " . وكان درسا من السماء أن يسيطر الإمام على الميزان إذ يلتقيان، فيضعف الطالب عن المطلوب ، ويرتفع الإمام الصادق بالخليفة القاتل إلى مستوى الحاكم العادل . والمستقبليون الذين يتكلمون اليوم عن الأخذ بأسباب النهضة العلمية ، كمثل السياسيين الذين لا يرون النهضة بالغة شأوها إلا أن تكون شاملة لأمور الدين والدنيا - هؤلاء وأولاء ، بحاجة إلى أن يظهروا على حياة الإمام الصادق ، ليروا مقدار ما تفلح الدعوة الصادقة بالمبادئ الصحيحة ، والخطط المنجحة ، في إقامة دول ، ومجتمعات ، قوامها الدين والعلم والعدل والاقتصاد العصري ]
ـ روى أنه كتب (ع) رسالة إلى أصحابه وأمَرهُم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها، فكانوا يضعونها في مسجد بيوتهم، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها [ بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد، فاسألوا ربكم العافية وعليكم بالدعة(الطمأنينة) والوقار والسكينة وعليكم بالحياء والتنـزّه عما تنـزّه عنه الصالحون قبلكم.
وإياكم أن تزلقوا ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان، فإنكم إن كففتم ألسنتكم عمّا يكرهه الله وممّا نهاكم عنه كان خيراً لكم عند ربكم من أن تَزلقوا ألسنتكم به، فإنّ زَلْقَ اللسان فيما يكره الله وما نهى مَردَّاةٌ (تهلكة) للعبد عند الله ومقتٌ من الله وصُمٌ وعُميٌ وبُكمٌ يورثهُ الله إياه يوم القيامة فتصيروا كما قال الله تعالى: {صُمٌ بكْمٌ عمْيٌ فهُم لا يرجِعون} [البقرة:18]،يعني {...لا ينطِقون * ولا يُؤذَنُ لهُم فيعتذِرون} [المرسلات: 35ـ36]....
وأكثروا من أن تدعوا الله فإن الله يحبّ من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد الله عباده المؤمنين بالاستجابة والله مُصيرٌ دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم به في الجنة. فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كلّ ساعة من ساعات الليل والنهار، فإنّ الله أمر بكثرة الذِّكر له، والله ذاكرٌ لمن ذكره من المؤمنين. واعلموا أن الله لم يذكره أحدٌ من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير فاعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته، فإن الله لا يُدرَك شيءٌ من الخير عنده إلا بطاعته واجتناب محارمه التي حرّم الله في ظاهر القرآن وباطنه. فإنّ الله تبارك وتعالى قال في كتابه وقوله الحق: {وذروا ظاهِرَ الإثْم وباطنِه}[الأنعام:120]. واعلموا أنّ ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرّمه. واتبعوا آثار رسول الله(ص) وسنته فخذوا بها ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلّوا، فإن أضلّ الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدىً من الله. وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم، فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها، وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم. وإياكم وسبّ أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدواً بغير علم، وقد ينبغي لكم أن تعلموا حدّ سبهم لله كيف هو، إنّه من سبّ أولياء الله فقد انتهك سبّ الله ومن أظلمُ عند الله من استسبّ الله ولأولياء الله فمهلاً مهلاً فاتبعوا أمر الله ولا قوّة إلا بالله.
عليكم بآثار رسول الله(ص) وسنته وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله(ص) من بعده وسنتهم فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى ومن ترك ذلك ورغب عنه ضلّ، لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم، وقد قال أبونا رسول الله(ص): "المداومة على العمل في اتباع الآثار والسنن وإن قلّ أرضى لله وأنفع عنده في العاقبة، من الاجتهاد في البدع واتباع الأهواء. ألا إنّ اتباع الأهواء واتباع البدع بغير هدىً من الله ضلالٌ وكل ضلالةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في النار ولن ينال شيء من الخير عند الله إلا بطاعته والصبر والرضا من طاعة الله"... واعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملكٌ مقرّبٌ ولا نبيٌ مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلهم إلا طاعتهم له...
واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحدٌ من خلقه شيئاً لا ملكٌ مقرّب ولا نبيٌ مرسل ولا من دون ذلك فمن سرّه أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه.